لِمَرَضٍ أَصَابَهُ، ثُمَّ شُفِيَ مِنْهُ.
وَفِي يَوْمِ الجمعة السادس عشرينه قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَدَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ إِلَيْهَا حاكمها بِهَا، فَذَهَبَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَلِتَوْدِيعِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَرْجَفَ النَّاسُ بِهِ كَثِيرًا، وَاشْتَهَرَ أَنَّهُ سَيَنْعَقِدُ لَهُ مَجْلِسٌ لِلدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ مَالِ الْأَيْتَامِ إِلَى أُلْطُنْبُغَا وَإِلَى الْفَخْرِيِّ، وَكُتِبَتْ فَتْوَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي تَغْرِيمِهِ، وداروا بها على المفتيين فَلَمْ يَكْتُبْ لَهُمْ أَحَدٌ فِيهَا غَيْرَ الْقَاضِي جَلَالِ الدِّينِ بْنِ حُسَامِ الدِّينِ الْحَنَفِيِّ، رَأَيْتُ خطه
عليها وحده بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَسُئِلْتُ فِي الْإِفْتَاءِ عَلَيْهَا فَامْتَنَعْتُ، لِمَا فِيهَا مِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى الْحُكَّامِ، وَفِي أَوَّلِ مَرْسُومِ نَائِبِ السُّلْطَانِ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْمُفْتُونَ هذا السؤال ويفتوابما يَقْتَضِيهِ حُكْمُ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَكَانُوا لَهُ فِي نِيَّةٍ عَجِيبَةٍ فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِطَلَبِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَسَارَ إِلَيْهَا صُحْبَةَ الْبَرِيدِ لَيْلَةَ الْأَحَدِ، وَخَرَجَ الْكُبَرَاءُ وَالْأَعْيَانُ لِتَوْدِيعِهِ، وَفِي خِدْمَتِهِ.
اسْتَهَلَّ جُمَادَى الْآخِرَةُ وَالتَّجْرِيدَةُ عَمَّالَةٌ إِلَى الْكَرَكِ وَالْجَيْشُ الْمُجَرَّدُونَ مِنَ الْحَلْقَةِ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفٍ ويزيدون، وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ رَابِعُهُ بَعْدَ الظُّهْرِ مَاتَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ أَيْدُغْمُشُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بالشام المحروس في دار وحده في دار السَّعَادَةِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَكَشَفُوا أَمْرَهُ وَأُحْصِرُوا وَخَشُوا أَنْ يَكُونَ اعْتَرَاهُ سَكْتَةٌ، وَيُقَالُ إِنَّهُ شُفِيَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَانْتَظَرُوا بِهِ إِلَى الْغَدِ احْتِيَاطًا، فلمَّا أَصْبَحَ النَّاس اجْتَمِعُوا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَصُلِّيَ عليه خارج باب النصر حتى يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى نَحْوِ الْقِبْلَةِ، وَرَامَ بَعْضُ أَهْلِهِ أَنْ يُدْفَنَ فِي تُرْبَةِ غِبْرِيَالَ إِلَى جَانِبِ جَامِعِ الْقُبَيْبَاتِ، فَلَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، فَدُفِنَ قِبْلِيَّ الْجَامِعِ عَلَى حَافَّةِ الطريق، ولم يتهيأ دفنه إلا إِلَى بَعْدِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَعَمِلُوا عِنْدَهُ خَتْمَةً لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَامَحَهُ.
وَاشْتَهَرَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ أَنَّ الْحِصَارَ عَمَّالٌ عَلَى الْكَرَكِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْكَرَكِ خَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقُتِلَ مِنَ الْجَيْشِ وَاحِدٌ فِي الْحِصَارِ، فَنَزَلَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ومعهم شئ مِنَ الْجَوْهَرِ، وَتَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يُسَلِّمُوا الْبَلَدَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَهْلُ الْحِصْنِ تَحَصَّنُوا وَنَصَبُوا الْمَجَانِيقَ وَاسْتَعَدُّوا فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ رَمَوْا مَنْجَنِيقَ فَكَسَرُوا السَّهْمَ الَّذِي لَهُ، وَعَجَزُوا عَنْ نَقْلِهِ فَحَرَقُوهُ بِرَأْيِ أُمَرَاءَ الْمُقَدَّمِينَ، وَجَرَتْ أُمُورٌ فَظِيعَةٌ، فَاللَّهُ يُحْسِنُ الْعَاقِبَةَ.
ثُمَّ وَقَعَتْ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الشَّهْرِ بَيْنَ الْجَيْشِ وَأَهْلِ الْكَرَكِ وَقْعَةٌ أُخْرَى، وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ رِجَالِ الْكَرَكِ خَرَجُوا إِلَى الْجَيْشِ وَرَمَوْهُمْ بِالنُّشَّابِ فَخَرَجَ الْجَيْشُ لَهُمْ مِنَ الْخِيَامِ وَرَجَعُوا مُشَاةً مُلْبِسِينَ بِالسِّلَاحِ فَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الْكَرَكِ جَمَاعَةً مِنَ النَّصارى وَغَيْرِهِمْ، وَجُرِحَ مِنَ الْعَسْكَرِ خَلْقٌ، وَقُتِلَ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ وَأُسِرَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ بَهَادُرَآصْ، وَقُتِلَ أَمِيرُ الْعَرَبِ، وَأُسِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute