للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو كانون وكانون لم يسل فيه ميزاب واحد. ووصل في هذا الشهر الأمير سيف الدين منجك إلى القدس الشريف ليبتني للسلطان مدرسة وخانقاه غربي المسجد الشريف، وأحضر الفرمان (١) الذي كتب له بماء الذهب إلى دمشق وشاهده الناس ووقعت على نسخته وفيها تعظيم رائد ومدح وثناء له، وشكر على متقدم خدمه لهذه الدولة، والعفو عما مضى من زلاته، وذكر سيرته بعبارة حسنة. وفي أوائل شهر ربيع الآخر رسم على المعلم سنجر مملوك ابن هلال صاحب الأموال الجزيلة بمرسوم شريف قدم مع البريد وطلب منه ستمائة ألف درهم، واحتيط على العمارة التي أنشأها عند باب النطافيين ليجعلها مدرسة، ورسم بأن يعمر مكانها مكتب للأيتام، وأن يوقف عليهم كتابتهم جارية عليهم، وكذلك رسم بأن يجعل في كل مدرسة من مدارس المملكة الكبار، وهذا مقصد جيد. وسلم المعلم سنجر إلى شاد الدواوين (٢) يستخلص منه المبلغ المذكور سريعا، فعاجل بحمل مائتي ألف، وسيرت مع أمير عشرة إلى الديار المصرية.

[الاحتياط على الكتبة والدواوين]

وفي يوم الأربعاء خامس عشر ربيع الآخر ورد من الديار المصرية أمير معه مرسوم بالاحتياط على دواوين السلطان، بسبب ما أكلوا من الأموال المرتبة للناس من الصدقات السلطانية وغير ذلك فرسم عليهم بدار العدل البرانية وألزموا بأموال جزيلة كثيرة، بحيث احتاجوا إلى بيع أثاثهم وأقمشتهم وفرشهم وأمتعتهم وغيرها، حتى ذكر أن منهم من لم يكن له شئ يعطيه فأحضر بناته إلى الدكة ليبيعهن فتباكى الناس وانتحبوا رحمة ورقة لأبيهن، ثم أطلق بعضهم وهم الضعفاء منهم والفقراء الذين لا شئ معهم، وبقيت الغرامة على الكبراء منهم، كالصاحب (٣) والمستوفين (٤)، ثم شددت عليهم المطالبة وضربوا ضربا مبرحا، وألزموا الصاحب بمال كثير بحيث إنه احتاج إلى أن سأل من الأمراء والأكابر والتجار بنفسه وبأوراقه، فأسعفوه بمبلغ كثير يقارب ما ألزم به، بعد


(١) الفرمان: في اللغة ما يصدره السلطان أو الملك من الكتب للولاة والوكلاء والقصاد يعلن فيها تنصيبهم ومأموريتهم والجمع فرمانات وفرامين وفرامنة. (محيط المحيط).
(٢) شاد الدواوين: كانت مهمته مرافقة الوزير والتفتيش عن مالية الدواوين وعلى موظفيها وعادته أمرة عشرة - أي تحت خدمته عشرة مماليك - (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص ١٩١).
(٣) تقدمت الإشارة إليه.
(٤) المستوفي: من كتاب الأموال بالدواوين وعمله ضبط الديوان التابع له والتنبيه على ما فيه مصلحته من استخراج أمواله ونحو ذلك وسمي لأهميته " قطب الديوان " لأنه كان يقوم بضبط سير الأعمال اليومية بالديوان ومراقبة الموظفين هذا فضلا عن قيامه بتبليغ متولي الديوان بما يجب تحصيله من الموارد المالية في مواعيدها المحددة.
وتحمل المستوفي عدم التنبيه على مواعيد جباية الأموال أو أي تأخير أو إهمال في جباية المتحصلات (ابن مماتي: قوانين الدوانين ص ٣٠١ والتعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص ٣١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>