للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطيب الحنبلي، وهذا غريب جدا، وقد كان في غاية الذكاء والفطنة، ذكر الخطيب وغيره عنه أن عضد الدولة بعثه في رسالة إلى ملك الروم، فلما انتهى إليه إذا هو لا يدخل عليه أحد إلا من باب قصير كهيئة الراكع، ففهم الباقلاني أن مراده أن ينحني الداخل عليه له كهيئة الراكع لله ﷿، فدار استه إلى الملك ودخل الباب بظهره يمشي إليه القهقرا، فلما وصل إليه انفتل فسلم عليه، فعرف الملك ذكاءه ومكانه من العلم والفهم، فعظمه ويقال إن الملك أحضر بين يديه آلة الطرب المسماة بالأرغل، ليستفز عقله بها، فلما سمعها الباقلاني خاف على نفسه أن يظهر منه حركة ناقصة بحضرة الملك، فجعل لا يألوا جهدا أن جرح رجله حتى خرج منها الدم الكثير، فاشتغل بالألم عن الطرب، ولم يظهر عليه شئ من النقص والخفة، فعجب الملك من ذلك، ثم إن الملك استكشف الامر فإذا هو قد جرح نفسه بما أشغله عن الطرب، فتحقق الملك وفور همته وعلو عزيمته، فإن هذه الآلة لا يسمعها أحد إلا طرب شاء أم أبى. وقد سأله بعض الأساقفة بحضرة ملكهم فقال: ما فعلت زوجة نبيكم؟ وما كان من أمرها بما رميت به من الإفك؟ فقال الباقلاني مجيبا له على البديهة: هما امرأتان ذكرتا بسوء: مريم وعائشة، فبرأهما الله ﷿، وكانت عائشة ذات زوج ولم يأت بولد، وأتت مريم بولد ولم يكن لها زوج - يعني أن عائشة أولى بالبراءة من مريم - وكلاهما بريئة مما قيل فيها، فإن تطرق في الذهن الفاسد احتمال ريبة إلى هذه فهو إلى تلك أسرع، وهما بحمد الله منزهتان مبرأتان من السماء بوحي الله ﷿، .

وقد سمع الباقلاني الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وأبي محمد بن ماسي وغيرهما، وقد قبله الدارقطني يوما وقال: هذا يرد على أهل الأهواء باطلهم، ودعا له. وكانت وفاته يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة، ودفن بداره ثم نقل إلى مقبرة باب حرب.

[محمد بن موسى بن محمد]

أبو بكر الخوارزمي شيخ الحنفية وفقيههم، أخذ العلم عن أحمد بن علي الرازي، وانتهت إليه رياسة الحنفية ببغداد، وكان معظما عند الملوك، ومن تلامذة الرضي والصيمري، قد سمع الحديث من أبي بكر الشافعي وغيره، وكان ثقة دينا حسن الصلاة على طريقة السلف، ويقول في الاعتقاد: ديننا دين العجائز، لسنا من الكلام في شئ، وكان فصيحا حسن التدريس، دعي إلى ولاية القضاء غير مرة فلم يقبل، توفي ليلة الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعمائة، ودفن بداره من درب عبده.

[الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن خلف]

العامري (١) القابسي مصنف التلخيص، أصله قرويني (٢) وإنما غلب عليه القابسي لان عمه


(١) في تذكرة الحفاظ ١٠٧٩: المعافري
(٢) في الوفيات ٣/ ٣٢١: القروي، وفي تذكرة الحفاظ: الفروي.

<<  <  ج: ص:  >  >>