وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلا مَكَّةَ، وَخَرَجَ أَبُو الْأَرْقَمِ - وَهُوَ أَعْمَى كَافِرٌ - وهو يقول: اللهم اغفر لبني عبيد الْأَرْقَمِ فَإِنَّهُ كَفَرَ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا نُخْفِي دِينَنَا وَنَحْنُ عَلَى الْحَقِّ وَيَظْهَرُ دِينُهُمْ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: " يَا عُمَرُ إِنَّا قَلِيلٌ قَدْ رَأَيْتَ مَا لَقِينَا " فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا يَبْقَى مَجْلِسٌ جَلَسْتُ فِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَظْهَرْتُ فِيهِ الْإِيمَانَ، ثُمَّ خَرَجَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ مرَّ بِقُرَيْشٍ وَهِيَ تَنْتَظِرُهُ، فَقَالَ أَبُو جهل بن هشام: يزعم فلان أنك صبوت؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَوَثَبَ الْمُشْرِكُونَ إِلَيْهِ، وَوَثَبَ عَلَى عُتْبَةَ فَبَرَكَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يَضْرِبُهُ، وَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنَيْهِ، فَجَعَلَ عُتْبَةُ يَصِيحُ فَتَنَحَّى النَّاسُ فَقَامَ عُمَرُ، فَجَعَلَ لَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ إلا أخذ بشريف ممن دَنَا مِنْهُ، حَتَّى أَعْجَزَ النَّاسَ.
وَاتَّبَعَ الْمَجَالِسَ الَّتِي كَانَ يُجَالِسُ فِيهَا فَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ.
قَالَ مَا
عَلَيْكَ بِأَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا بَقِيَ مَجْلِسٌ كُنْتُ أَجْلِسُ فِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَظْهَرْتُ فِيهِ الْإِيمَانَ غَيْرَ هَائِبٍ وَلَا خَائِفٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ عُمَرُ أَمَامَهُ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى الظهر مؤمناً، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ الْأَرْقَمِ وَمَعَهُ عُمَرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عُمَرُ وَحْدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ خُرُوجِ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي السَّنة السَّادِسَةِ مِنَ الْبَعْثَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا كَيْفِيَّةَ إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ سِيرَتِهِمَا عَلَى انْفِرَادِهَا، وَبَسَطْنَا الْقَوْلَ هُنَالِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ (١) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ مَا بُعِثَ وَهُوَ بمكة، وهو حينئذٍ مستخفٍ، فَقُلْتُ مَا أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا نَبِيٌّ، فَقُلْتُ وَمَا النَّبِيُّ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، قُلْتُ آللَّهُ أرسلك؟ قَالَ: نعم قلت بما أَرْسَلَكَ؟ قَالَ بِأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شريك له وتكسر الأصنام، وتوصل الْأَرْحَامَ.
قَالَ: قُلْتُ: نِعم مَا أَرْسَلَكَ بِهِ، فمن تبعك عَلَى هَذَا؟ قَالَ حُرٌّ وَعَبْدٌ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا - قَالَ: فَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا رُبُعُ الْإِسْلَامِ.
قَالَ فَأَسْلَمْتُ، قُلْتُ: فَأَتَّبِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ لَا وَلَكِنِ الْحَقْ بِقَوْمِكَ، فَإِذَا أُخْبِرْتَ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ فَاتَّبِعْنِي " (٢) ، وَيُقَالُ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حُرٌّ وَعَبْدٌ اسْمُ جِنْسٍ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَقَدْ كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ بِلَالٍ أَيْضًا فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ رُبُعُ الإسلام بحسب علمه فإن المؤمنين كانوا إذا ذَاكَ يَسْتَسِرُّونَ بِإِسْلَامِهِمْ لَا يَطَّلِعُ عَلَى أَمْرِهِمْ كَثِيرُ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ دَعِ الْأَجَانِبَ دَعْ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مِنَ الْأَعْرَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هاشم بن هاشم (هامش ٤٢) (١) عمرو بن عبسة بن خالد بن حذيفة الامام الامير أبو نجيح السلمي البجلي، أحد السابقين كان يقال هو ربع الاسلام وكان من أمراء الجيش يوم اليرموك ترجمته في الاصابة، طبقات ابن سعد ٤ / ٢١٤ تهذيب التهذيب ٨ / ٦٩.
(٢) أخرجه مسلم في ٦ كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٥٢) باب.
ح ٢٩٤ ص ٥٦٩.
(*)