للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدم على الوليد قدم معه بثلاثين ألفا من السبي غير ما ذكرناه، وذلك خمس ما كان غنمه في آخر غزاة غزاها ببلاد المغرب، وقدم معه من الأموال والتحف واللآلي والجواهر ما لا يحد ولا يوصف، ولم يزل مقيما بدمشق حتى مات الوليد وتولى سليمان، وكان سليمان عاتبا على موسى فحبسه عنده وطالبه بأموال عظيمة (١). ولم يزل في يده حتى حج بالناس سليمان في هذه السنة وأخذه معه فمات بالمدينة، وقيل بوادي القرى (٢)، وقد قارب الثمانين، وقيل توفي في سنة تسع وتسعين فالله أعلم ورحمه الله وعفا عنه بمنه وفضله آمين.

[ثم دخلت سنة ثمان وتسعين]

ففي هذه السنة جهز سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين أخاه مسلمة بن عبد الملك لغزو القسطنطينية وراء الجيش الذين هم بها، فسار إليها ومعه جيش عظيم، ثم التف عليه ذلك الجيش الذين هم هناك وقد أمر كل رجل من الجيش أن يحمل معه على ظهر فرسه مدين من طعام، فلما وصل إليها جمعوا ذلك فإذا هو أمثال الجبال، فقال لهم مسلمة: اتركوا هذا الطعام وكلوا مما تجدونه في بلادهم، وازرعوا في أماكن الزرع واستغلوه، وابنوا لكم بيوتا من خشب، فإنا لا نرجع عن هذا البلد إلا أن نفتحها إن شاء الله. ثم إن مسلمة داخل رجلا من النصارى يقال له إليون (٣)، وواطأه في الباطن ليأخذ له بلاد الروم، فظهر منه نصح في بادئ الامر، ثم إنه توفي ملك القسطنطينية، فدخل إليون في رسالة من مسلمة وقد خافته الروم خوفا شديدا، فلما دخل إليهم إليون قالوا له: رده عنا ونحن نملكك علينا فخرج فأعمل الحيلة في الغدر والمكر، ولم يزل قبحه الله حتى أحرق ذلك الطعام الذي للمسلمين، وذلك أنه قال لمسلمة: إنه ما داموا يرون هذا الطعام يظنون أنك تطاولهم في القتال، فلو أحرقته لتحققوا منك العزم، وسلموا إليك البلد سريعا، فأمر مسلمة بالطعام


(١) في الإمامة والسياسة ٢/ ٨٣ كان سليمان بن عبد الملك بعث إلى موسى من لقيه في الطريق، قبل قدومه على الوليد يأمره بالتثبط في مسيره وألا يعجل وكان قدومه على الوليد في آخره شكايته التي توفي فيها - فآلى سليمان لئن ظفر بموسى ليصلبنه ..
وقال ابن عذارى في البيان المغرب ١/ ٤٥: وصل إلى الوليد قبل موته بثلاثة أيام. فقال سليمان: لئن ظفرت به لأصلبنه.
(٢) في البيان المغرب ١/ ٤٦: فلما وصلا المدينة مات وعمره تسعا وسبعين سنة وكانت وفاته سنة ٩٨ هـ. وفي ابن خلكان ٥/ ٣٢٩: قيل بمر الظهران. وفي ابن الأثير ٥/ ٢٦: كان موته بطريق مكة. وفي الإمامة والسياسة ص ٢/ ١٠٢ مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين وكان عمره ست وسبعين سنة.
(٣) هو إليون المرعشي حاكم عمورية ويبدو أنه من أصل سوري من عناصر الجراجمة الساكنة على حدود الشام قاله المؤرخ الأرمني دينيس فجاء إلى سليمان يطلب مساعدته للوصول إلى عرش الروم على أن يحكم باسمه. ويقول دينيس: إن قصده في الحقيقة كان خداع العرب وإيقاف سفك دماء بني وطنه. وهذا بالفعل ما وقع منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>