للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَافِظُ الْكَبِيرُ زَكِّيُّ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (١) مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ الْبِرْزَالِيُّ الْإِشْبِيلِيُّ، أَحَدُ مَنِ اعْتَنَى بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ وَبَرَزَ فِيهِ، وَأَفَادَ الطَّلَبَةَ، وَكَانَ شَيْخَ الْحَدِيثِ بِمَشْهَدِ ابْنِ عُرْوَةَ، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى حَلَبَ، فَتُوُفِّيَ بِحَمَاةَ فِي رَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهُوَ جَدُّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ عَلَمِ الدِّينِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبِرْزَالِيِّ، مُؤَرِّخِ دِمَشْقَ الَّذِي ذَيَّلَ عَلَى الشَّيخ شِهَابِ الدِّين أَبِي شَامَةَ، وَقَدْ ذَيَّلْتُ أَنَا عَلَى تَارِيخِهِ بِعَوْنِ اللَّهُ تَعَالَى.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وستمائة

اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ دِمَشْقَ نَجْمُ الدِّينِ الصَّالِحُ أَيُّوبُ بْنُ الْكَامِلِ مُخَيِّمٌ عِنْدَ نَابُلُسَ، يَسْتَدْعِي عَمَّهُ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ لِيَسِيرَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، بِسَبَبِ أَخْذِهَا مِنْ صَاحِبِهَا الْعَادِلِ بْنِ الْكَامِلِ، وَقَدْ أَرْسَلَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَلَدَهُ وَابْنَ يغمور إلى صحبة الصالح أيوب، فَهُمَا يُنْفِقَانِ الْأَمْوَالَ فِي الْأُمَرَاءِ وَيُحْلِفَانِهِمْ عَلَى الصَّالِحِ أَيُّوبَ لِلصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا تَمَّ الْأَمْرُ وَتَمَكَّنَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ مِنْ مُرَادِهِ أَرْسَلَ إِلَى الصَّالِحِ أَيُّوبَ يَطْلُبُ مِنْهُ وَلَدَهُ لِيَكُونَ عِوَضَهُ بِبَعْلَبَكَّ، وَيَسِيرُ هُوَ إِلَى خِدْمَتِهِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهِ وهو لا يشعر بشئ مما وقع، وَكُلُّ ذَلِكَ عَنْ تَرْتِيبِ أَبِي الْحَسَنِ غَزَّالٍ المتطبب

وزير الصالح - وهو الأمين واقف أمينية بعلبك - فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ هَجَمَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَفِي صُحْبَتِهِ أَسَدُ الدِّينِ شِيرْكُوهْ صَاحِبُ حِمْصَ إِلَى دِمَشْقَ، فَدَخَلَاهَا بَغْتَةً مِنْ بَابِ الْفَرَادِيسِ، فَنَزَلَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بِدَارِهِ مِنْ دَرْبِ الشَّعَّارِينَ، وَنَزَلَ صَاحِبُ حمص بداره، وجاء نجم الدين بن سلامة فَهَنَّأَ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ وَرَقَصَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: إِلَى بَيْتِكَ جِئْتُ.

وَأَصْبَحُوا فَحَاصَرُوا الْقَلْعَةَ وَبِهَا الْمُغِيثُ عُمَرُ بْنُ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ، وَنَقَبُوا الْقَلْعَةَ مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ الْفَرَجِ، وَهَتَكُوا حُرْمَتَهَا وَدَخَلُوهَا وَتَسَلَّمُوهَا وَاعْتَقَلُوا الْمُغِيثَ فِي بُرْجٍ هُنَالِكَ.

قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَاحْتَرَقَتْ دَارُ الْحَدِيثِ وَمَا هُنَالِكَ مِنَ الْحَوَانِيتِ وَالدُّورِ حَوْلَ الْقَلْعَةِ.

وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ بِمَا وَقَعَ إِلَى الصَّالِحِ أَيُّوبَ تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَالْأُمَرَاءُ خَوْفًا عَلَى أَهَالِيهِمْ مِنَ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَبَقِيَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ وحده بمماليكه وجاريته أم ولده خليل، وطمع فيه الفلاحون والفوارنة، وَأَرْسَلَ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُ الْكَرَكِ إِلَيْهِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ نَابُلُسَ مُهَانًا عَلَى بَغْلَةٍ بِلَا مهماز ولا مقدمة، فَاعْتَقَلَهُ عِنْدَهُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَرْسَلَ الْعَادِلُ مِنْ مِصْرَ إِلَى النَّاصِرِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَخَاهُ الصَّالِحَ أَيُّوبَ وَيُعْطِيهِ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَمَا أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، بَلْ عَكَسَ مَا طُلِبَ مِنْهُ بِإِخْرَاجِ الصَّالِحِ مِنْ سَجْنِهِ وَالْإِفْرَاجِ عَنْهُ وَإِطْلَاقِهِ من الحبس يَرْكَبُ وَيَنْزِلُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَارَبَتِ الْمُلُوكُ مِنْ دمشق ومصر وغيرهما الناصر


(١) في الاصل: أبو عبد الله بن محمد وهو خطأ.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>