للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاسْتَخْلَفْتَنَا فِيهَا وَرَبَّيْتَنَا وَآبَاءَنَا مِنْ قَبْلِنَا بِنِعْمَتِكَ صِغَارًا، وَحَفِظْتَنَا وَإِيَّاهُمْ بِرَحْمَتِكَ كِبَارًا فَأَنْتَ أَوْفَى المنعمين وَإِنْ غَيَّرْنَا.

وَلَا تُبَدِّلْ.

وَإِنْ بَدَّلْنَا، وَأَنْ تُتِمَّ فَضْلَكَ وَمَنَّكَ وَطَوْلَكَ وَإِحْسَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ قُلْتُ لَهُمْ إِنِّي أَبْتَدِئُ عِبَادِي بِرَحْمَتِي وَنِعْمَتِي.

فَإِنْ قَبِلُوا أَتْمَمْتُ وَإِنِ اسْتَزَادُوا زِدْتُ، وإن

شكروا ضاعفت، وإن غيروا غَيَّرْتُ، وَإِذَا غَيَّرُوا غَضِبْتُ.

وَإِذَا غَضِبْتُ عَذَّبْتُ وليس يقوم شئ بغضبي.

قال كعب: فقال أرميا: برحمتك أصبحت أتعلم بَيْنَ يَدَيْكَ، وَهَلْ يَنْبَغِي ذَلِكَ لِي وَأَنَا أَذَلُّ وَأَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَنْبَغِيَ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَكِنْ بِرَحْمَتِكَ أَبْقَيْتَنِي لِهَذَا الْيَوْمِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ أَنْ يَخَافَ هَذَا الْعَذَابَ وَهَذَا الْوَعِيدَ مِنِّي بِمَا رَضِيتَ بِهِ مِنِّي طَوْلًا، وَالْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْخَاطِئِينَ وَهُمْ يعصونك حولي بغير نكر وَلَا تَغْيِيرٍ مِنِّي، فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَبِذَنْبِي، وَإِنْ تَرْحَمْنِي فَذَلِكَ ظَنِّي بِكَ.

ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ أَتُهْلِكُ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَمَا حَوْلَهَا وَهِيَ مَسَاكِنُ أَنْبِيَائِكَ وَمَنْزِلُ وَحْيِكَ؟ يَا رَبِّ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ لِمَخْرَبِ هَذَا الْمَسْجِدِ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَمِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي رُفِعَتْ لِذِكْرِكَ، يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت لمقتل هَذِهِ الْأُمَّةَ وَعَذَابِكَ إِيَّاهُمْ وَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ، وَأُمَّةِ مُوسَى نَجِيِّكَ، وَقَوْمِ دَاوُدَ صَفِيِّكَ، يَا رَبِّ أَيُّ الْقُرَى تَأْمَنُ عُقُوبَتَكَ بعد؟ وَأَيُّ الْعِبَادِ يَأْمَنُونَ سَطْوَتَكَ بَعْدَ وَلَدِ خَلِيلِكَ إِبْرَاهِيمَ؟ وَأُمَّةِ نَجِيِّكَ مُوسَى؟ وَقَوْمِ خَلِيفَتِكَ دَاوُدَ؟ تُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ عَبَدَةَ النِّيرَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَرْمِيَا مَنْ عَصَانِي فَلَا يَسْتَنْكِرُ نِقْمَتِي، فَإِنِّي إِنَّمَا أَكْرَمْتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَلَى طَاعَتِي، ولو أنهم عصوني لأنزلنهم دَارَ الْعَاصِينَ إِلَّا أَنْ أَتَدَارَكَهُمْ بِرَحْمَتِي ".

قَالَ أَرْمِيَا: يَا رَبِّ اتَّخذت إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَحَفِظْتَنَا بِهِ.

وَمُوسَى قَرَّبْتَهُ نَجَّيًا فَنَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا وَلَا تَتَخَطَّفَنَا وَلَا تُسَلِّطَ عَلَيْنَا عَدُوَّنَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: " يَا أَرْمِيَا إِنِّي قَدَّسْتُكَ فِي بَطْنِ أُمِّكَ وَأَخَّرْتُكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ فَلَوْ أَنَّ قَوْمَكَ حَفِظُوا الْيَتَامَى وَالْأَرَامِلَ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السبيل لمكنت الدَّاعِمَ لَهُمْ وَكَانُوا عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ جَنَّةٍ نَاعِمٍ شَجَرُهَا طَاهِرٍ مَاؤُهَا وَلَا يَغُورُ مَاؤُهَا وَلَا تَبُورُ ثِمَارُهَا وَلَا تَنْقَطِعُ، وَلَكِنْ سَأَشْكُو إِلَيْكَ بني إسرائيل: إني كنت لهم بمنزلة الداعي الشَّفِيقِ أُجَنِّبُهُمْ كُلَّ قَحْطٍ وَكُلَّ عُسْرَةٍ وَأُتْبِعُ بِهِمُ الْخَصْبَ حَتَّى صَارُوا كِبَاشًا يَنْطَحُ بَعْضُهَا بعضا فياويلهم ثُمَّ يَا وَيْلَهُمْ إِنَّمَا أُكْرِمُ مَنْ أَكْرَمَنِي وَأُهِينَ مَنْ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرِي، إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنَ الْقُرُونِ يَسْتَخْفُونَ بِمَعْصِيَتِي، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَتَبَرَّعُونَ بِمَعْصِيَتِي تَبَرُّعًا فيظهرونها في المساجد والأسواق وعلى رؤوس الْجِبَالِ

وَظِلَالِ الْأَشْجَارِ حَتَّى عَجَّتِ السَّمَاءُ إليَّ مِنْهُمْ وَعَجَّتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، وَنَفَرَتْ مِنْهَا الْوُحُوشُ بِأَطْرَافِ الْأَرْضِ وَأَقَاصِيهَا وَفِي كُلِّ ذَلِكَ لَا ينهون وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا عَلِمُوا مِنَ الْكِتَابِ ".

قَالَ فَلَمَّا بَلَّغَهُمْ أَرْمِيَا رِسَالَةَ رَبِّهِمْ وَسَمِعُوا مَا فِيهَا مِنَ الْوَعِيدِ وَالْعَذَابِ عَصَوْهُ وَكَذَّبُوهُ وَاتَّهَمُوهُ وقالوا: " كذبت وأعظمت عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ فَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ مُعَطِّلٌ أَرْضَهُ وَمَسَاجِدَهُ مِنْ كِتَابِهِ وَعِبَادَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>