سَجَدَ فَقُلْتُ: الْآنَ يَفْتَرِسُهُ، فَجَلَسَ ثُمَّ سَلَّمَ فقال: أيها السبع إن كنت أمرت بشئ فَافْعَلْ وَإِلَّا
فَاطْلُبِ الرِّزْقَ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، فَوَلَّى الْأَسَدُ وَإِنَّ لَهُ لَزَئِيرًا تَصَّدَّعُ مِنْهُ الْجِبَالُ، فلمَّا كَانَ عِنْدَ الصَّبَاحِ جَلَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَحَامِدَ لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهَا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ، أَوَ مِثْلِي يَجْتَرِئُ أَنْ يَسْأَلَكَ الْجَنَّةَ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ كَأَنَّهُ بَاتَ عَلَى الحشا، وأصبحت وبي من الفترة شئ اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.
قَالَ: وَذَهَبَتْ بِغْلَتُهُ بِثِقَلِهَا فَقَالَ: اللَّهم إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ بَغْلَتِي بِثِقَلِهَا، فَجَاءَتْ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَيْنَا الْعَدُوَّ حَمَلَ هُوَ وَهِشَامُ بن عامر فصنعنا بِهِمْ طَعْنًا وَضَرْبًا، فَقَالَ الْعَدُوُّ: رَجُلَانِ مِنَ الْعَرَبِ صَنَعَا بِنَا هَذَا فَكَيْفَ لَوْ قَاتَلُونَا كُلُّهُمْ؟ أَعْطُوا الْمُسْلِمِينَ حَاجَتَهُمْ - يَعْنِي انْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ - وَقَالَ صِلَةُ: جُعْتُ مَرَّةً فِي غَزَاةٍ جَوْعًا شَدِيدًا فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ أَدْعُو رَبِّي وَأَسْتَطْعِمُهُ، إِذْ سَمِعْتُ وَجْبَةً مِنْ خَلْفِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِمِنْدِيلٍ أَبْيَضَ فَإِذَا فِيهِ دَوْخَلَةٌ مَلْآنَةٌ رُطَبًا فَأَكَلْتُ مِنْهُ حتَّى شَبِعْتُ، وَأَدْرَكَنِي الْمَسَاءُ فَمِلْتُ إِلَى دَيْرِ رَاهِبٍ فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ فَاسْتَطْعَمَنِي مِنَ الرُّطَبِ فَأَطْعَمْتُهُ، ثُمَّ إِنِّي مَرَرْتُ عَلَى ذَلِكَ الرَّاهِبِ بَعْدَ زَمَانٍ فَإِذَا نَخَلَاتٌ حِسَانٌ فَقَالَ: إِنَّهُنَّ لَمِنَ الرُّطَبَاتِ الَّتِي أَطْعَمْتَنِي، وَجَاءَ بِذَلِكَ الْمِنْدِيلِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَكَانَتْ تُرِيهُ لِلنَّاسِ، وَلَمَّا أُهْدِيَتْ مُعَاذَةُ إِلَى صِلَةَ أَدْخَلَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَمَّامَ ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَيْتَ الْعَرُوسِ بَيْتًا مُطَيَّبًا فَقَامَ يُصَلِّي فَقَامَتْ تُصَلِّي مَعَهُ، فلم يزالان يُصَلِّيَانِ حَتَّى بَرَقَ الصُّبْحُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْ عمْ أُهديت إِلَيْكَ ابْنَةَ عَمِّكَ اللَّيْلَةَ فَقُمْتَ تُصَلِّي وَتَرَكْتَهَا؟ قَالَ: إِنَّكَ أَدَخَلْتَنِي بَيْتًا أَوَّلَ النَّهَارِ أَذْكَرْتَنِي بِهِ النَّارَ، وَأَدْخَلْتَنِي بَيْتًا آخِرَ النَّهَارِ أَذْكَرْتَنِي بِهِ الْجَنَّةَ، فَلَمْ تَزَلْ فِكْرَتِي فِيهِمَا حَتَّى أَصْبَحْتُ، الْبَيْتُ الَّذِي أَذْكَرَهُ بِهِ النَّارَ هُوَ الْحَمَّامُ، وَالْبَيْتُ الَّذِي أَذْكَرَهُ بِهِ الْجَنَّةَ هُوَ بَيْتُ الْعَرُوسِ.
وَقَالَ له رجل: أدعو اللَّهَ لِي: فَقَالَ رغَّبك اللَّهُ فِيمَا يَبْقَى، وزهَّدك فِيمَا يَفْنَى، وَرَزَقَكَ الْيَقِينَ الَّذِي لَا يُركن إلا إليه، ولا يعوَّل فِي الدِّينِ إِلَّا عَلَيْهِ.
وَكَانَ صِلَةُ فِي غَزَاةٍ وَمَعَهُ ابْنُهُ فَقَالَ لَهُ: أَيْ بُنَيَّ تَقَدَّمْ فَقَاتِلْ حَتَّى أَحْتَسِبَكَ، فَحَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ صِلَةُ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ فَقَالَتْ: إن كنتن جئتن لتهنينني فمرحباً بكن، وإن كنتن جئتن لتعزينني فَارْجِعْنَ، تُوُفِّيَ صِلَةُ فِي غَزَاةٍ هُوَ وَابْنُهُ نَحْوَ بِلَادِ فَارِسَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
زُهَيْرُ بْنُ قَيْسٍ الْبَلَوِيُّ
شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَسَكَنَهَا، لَهُ صُحْبَةٌ، قَتَلَتْهُ الرُّومُ بِبَرْقَةَ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرِيخَ أَتَى الْحَاكِمَ بِمِصْرَ وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ أَنَّ الرُّومَ نَزَلُوا بَرْقَةَ، فَأَمَرَهُ بِالنُّهُوضِ إِلَيْهِمْ، فَسَاقَ زُهَيْرٌ وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ نَفْسًا فَوَجَدَ الرُّومَ فَأَرَادَ أَنْ يَكُفَّ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى يَلْحَقَهُ الْعَسْكَرُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا شَدَّادٍ احْمِلْ بِنَا عَلَيْهِمْ، فَحَمَلُوا فَقُتِلُوا جَمِيعًا.
الْمُنْذِرُ بْنُ الْجَارُودِ: مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
تَوَلَّى بَيْتَ الْمَالِ وَوَفَدَ عَلَى معاوية والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute