للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوقع في مخالبه الأمير المظفر مؤنس الخادم، فأمر بِحَبْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ وَالِاحْتِيَاطِ عَلَى دُورِهِ وأملاكه - وكانت في عجلة وجرأة وطيش وهوج وخرق شديد - وجعل في منزلته - أمير الأمراء ورياسة الجيش - طريفاً اليشكري، وقد كان أحد الأعداء لمؤنس الخادم قبل ذلك.

وقبض على بليق، واختفى ولده علي بن بليق، وهرب الوزير ابن مقلة فاستوزر مكانه أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، فِي مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَأَمَرَ بتحريق دار ابن مُقْلَةَ، وَوَقَعَ النَّهْبُ بِبَغْدَادَ، وَهَاجَتِ الْفِتْنَةُ، وَأَمَرَ القاهر بأن يجعل أبو أحمد الْمُكْتَفِي بَيْنَ حَائِطَيْنِ وَيُسَدَّ عَلَيْهِ بِالْآجُرِّ وَالْكِلْسِ، وهو حي، فمات وأرسل منادي على المختفين: إن من أخفاهم قتل وخربت داره.

فوقع بعلي بن بليق فذبح بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، فَأُخِذَ رَأْسُهُ في طست ودخل به القاهر على أبيه بليق بنفسه، فوضع رأس ابنه بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ بَكَى وَأَخَذَ يُقَبِّلُهُ ويترشفه، فأمر بذبحه أيضا، ثُمَّ أَخَذَ الرَّأْسَيْنِ فِي طَسْتَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا عَلَى مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ، فَلَمَّا رَآهُمَا تَشَهَّدَ وَلَعَنَ قاتلهما، فقال القاهر: جُرُّوا بِرِجْلِ الْكَلْبِ، فَأُخِذَ فَذُبِحَ أَيْضًا وَأُخِذَ رأسه فوضع في طست وطيف بالرؤوس فِي بَغْدَادَ، وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَخُونُ الْإِمَامَ وَيَسْعَى فِي الدَّوْلَةِ فَسَادًا.

ثُمَّ أعيدت الرؤس إلى خزائن السلاح.

وفي ذي القعدة منها قَبَضَ الْقَاهِرُ عَلَى الْوَزِيرِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن القاسم وَسَجَنَهُ، وَكَانَ مَرِيضًا بِالْقُولَنْجِ، فَبَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يوماً ومات وكانت وِزَارَتُهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا.

وَاسْتَوْزَرَ مَكَانَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (١) بْنِ سُلَيْمَانَ الْخَصِيبِيَّ، ثمَّ قَبَضَ عَلَى طَرِيفٍ اليشكري (٢) الذي تعاون على مؤنس وابن بليق وسجنه، ولهذا قيل: من أعان ظالماً سلطه الله عليه.

فلم يزل اليشكري (٢) في الحبس حَتَّى

خُلِعَ الْقَاهِرُ.

وَفِيهَا جَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ العامل بِدِيَارِ مِصْرَ (٣) ، وَأَنَّ ابْنَهُ مُحَمَّدًا قَدْ قَامَ مقامه فيها، وسارت الخلع إليه من القاهر بتنفيذ الولاية واستقراره.

ابتداء أمر بني بويه وظهور دولتهم وَهُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ: عِمَادُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ، وَرُكْنُ الدَّوْلَةِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ، وَمُعِزُّ الدولة أبو الحسين أحمد أولاد أبي شجاع بويه بن قباخسرو (٤) بْنِ تَمَّامِ بْنِ كُوهَى بْنِ شِيرِزِيلَ الْأَصْغَرِ بن شيركيده (٥) بن شيرزيل الأكبر شيران شاه بن شيرويه بن سيسان شاه بن سيس بن فيروز بن


(١) من ابن الاثير ٨ / ٢٦٢ ومروج الذب ٤ / ٣٥١، وفي الاصل عبد الله.
(٢) في الكامل ٨ / ٢٦٢: السبكري.
(٣) وهو تكين وكان أميراً على مصر كما في الكامل لابن الاثير ٨ / ٢٧٣ وفي ولاة مصر للكندي: مات تكين أبو منصور في ١٦ ربيع الأول سنة ٣٢١ وجعل ابنه محمد بن تكين في موضعه.
(٤) في ابن الاثير ٨ / ٢٦٥: فنا خسرو.
(٥) في ابن الاثير: شيركنده (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>