للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال ابن النبيه:

ما الأمة الوكساء بَيْنَ الْوَرَى * أَحْسَنُ مِنْ حُرٍّ أَتَى مَلَأَمَهْ فَمَهْ إِذَا اسْتُجْدِيتَ عَنْ قَوْلِ لَا * فَالْحُرُّ لَا يَمْلَأُ مِنْهَا فَمَهْ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ جرديك (١) كان من أكابر الأمراء في أيام نُورِ الدِّينِ، وَكَانَ مِمَّنْ شَرِكَ فِي قَتْلِ شَاوِرٍ، وَحَظِيَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ، وِقَدِ اسْتَنَابَهُ على القدس حين افتتحها، وكان يستند به للمهمات الكبار فيسدها بنفسه وشجاعته، ولما ولي الأفضل عزله عن القدس فَتَرَكَ بِلَادَ الشَّامِ وَانْتَقَلَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَمَاتَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خمس وتسعين وخمسمائة

فيها كانت وفاة الْعَزِيزِ صَاحِبِ مِصْرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الصيد فكانت لَيْلَةَ الْأَحَدِ الْعِشْرِينَ (٢) مِنِ الْمُحَرَّمِ، سَاقَ خَلْفَ ذئب فكبا به فرسه فسقط عنه فمات بعد أيام، وَدُفِنَ بِدَارِهِ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى عِنْدِ تُرْبَةِ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى إِخْرَاجِ الْحَنَابِلَةِ مِنْ بَلَدِهِ، وَيَكْتُبُ إلى بقية إخوته بإخراجهم من البلاد، وشاع ذلك عنه وذاع، وسمع ذلك منه وَصُرِّحَ بِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مُعَلِّمِيهِ وَخُلَطَائِهِ وعشرائه من الجهمية، وقلة علمه بالحديث، فلما وقع منه هذا ونوى هذه النية القبيحة الفاسدة أهلكه الله ودمره سريعاً، وعظم قدر الحنابلة بين الخلق بمصر وَالشَّامِ، عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ.

وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ صَالِحِيهِمْ دَعَا عَلَيْهِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ خرج إلى الصيد فكان هلاكه سريعاً، وكتب الفاضل كتاب التعزية بالعزيز لعمه العادل، وهو محاصر مَارِدِينَ وَمَعَهُ الْعَسَاكِرُ، وَوَلَدُهُ مُحَمَّدٌ الْكَامِلُ، وَهُوَ نَائِبُهُ عَلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ الْمُقَارِبَةِ لِبِلَادِ الْحِيرَةِ، وَصُورَةُ الْكِتَابِ " أَدَامَ اللَّهُ سُلْطَانَ مَوْلَانَا الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَبَارَكَ فِي عُمْرِهِ وَأَعْلَا أَمْرَهُ بِأَمْرِهِ، وَأَعَزَّ نَصْرَ الْإِسْلَامِ بِنَصْرِهِ، وَفَدَتِ الْأَنْفُسُ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ وَأَصْغَرَ اللَّهُ الْعَظَائِمَ بِنِعَمِهِ فِيهِ الْعَظِيمَةِ، وأحياه الله حياة طيبة هو والإسلام في مواقيت الْفُتُوحِ الْجَسِيمَةِ وَيَنْقَلِبُ عَنْهَا بِالْأُمُورِ الْمُسْلِمَةِ وَالْعَوَاقِبِ السليمة، ولا نقص له رجالاً وَلَا أَعْدَمَهُ نَفْسًا وَلَا وَلَدًا، وَلَا قَصَّرَ لَهُ ذَيْلًا وَلَا يَدًا، وَلَا

أَسْخَنَ لَهُ عيناً وَلَا كَبِدًا، وَلَا كَدَّرَ لَهُ خَاطِرًا وَلَا مورداً، ولما قدر الله ما قدر من موت الملك العزيز كانت حياته مكدرة عليه منغصة مهملة، فلما حضر أجله كانت بديهة المصاب عظيمة، وطالعة


(١) في نسخ البداية المطبوعة: حرديل وهو تحريف، وفي ابن الاثير: جورديك.
(٢) في تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٣٥: آخر المحرم.
وفي بدائع الزهور لابن إياس ١ / ١ / ٢٥٢: يوم الخميس حادي عشرين محرم.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>