للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عظيما) … [الأحزاب: ٥٣]. وصنف دخل بهن وطلقهن في حياته فهل يحل لاحد أن يتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه ؟ فيه قولان للعلماء، أحدهما لا لعموم الآية التي ذكرناها. والثاني نعم بدليل آية التخيير وهي قوله … (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحصنات منكن أجرا عظيما) … قالوا: فلولا أنها تحل لغيره أن يتزوجها بعد فراقه إياها لم يكن في تخييرها بين الدنيا والآخرة فائدة إذ لو كان فراقه لها لا يبحها لغيره لم يكن فيه فائدة لها، وهذا قوي والله تعالى أعلم. وأما الصنف الثالث وهي من تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها، فهذه تحل لغيره أن يتزوجها. ولا أعلم في هذا القسم نزاعا. وأما من خطبها ولم يعقد عقده عليها فأولى لها أن تتزوج، وأولى. وسيجئ فصل في كتاب الخصائص يتعلق بهذا المقام. والله أعلم.

فصل في ذكر سراريه

كانت له سريتان، إحداهما مارية بنت شمعون القبطية أهداها له صاحب إسكندرية واسمه جريج بن مينا، وأهدى معها أختها شيرين وذكر أبو نعيم أنه أهداها في أربع جوار والله أعلم. وغلاما خصيا اسمه مابور، وبغلة يقال لها الدلدل فقبل هديته واختار لنفسه مارية وكانت من قرية ببلاد مصر يقال لها حفن من كورة أنصنا، وقد وضع عن أهل هذه البلدة معاوية بن أبي سفيان في أيام إمارته الخراج إكراما لها من أجل أنها حملت من رسول الله بولد ذكر وهو إبراهيم ، قالوا: وكانت مارية جميلة بيضاء أعجب بها رسول الله وأحبها وحضيت عنده، ولا سيما بعدما وضعت إبراهيم ولده. وأما أختها شيرين فوهبها رسول الله لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان، وأما الغلام الخصي وهو مابور فقد كان يدخل على مارية وشيرين بلا إذن كما جرت به عادته بمصر، فتكلم بعض الناس فيها بسبب ذلك ولم يشعروا أنه خصي حتى انكشف الحال على ما سنبينه قريبا إن شاء الله. وأما البغلة فكان يركبها، والظاهر والله أعلم أنها التي كان راكبها يوم حنين. وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام إمارته، ومات فصارت إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكبرت حتى كان يجش (١) لها الشعير لتأكله. قال أبو بكر بن خزيمة: حدثنا محمد بن زياد بن عبيد الله، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة بن الخصيب، عن أبيه قال: أهدى أمير القبط إلى رسول الله جاريتين أختين. وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة. واتخذ إحدى الجاريتين فولدت له إبراهيم ابنه، ووهب الأخرى. وقال الواقدي: حدثنا يعقوب بن


(١) يجش: يطحن.

<<  <  ج: ص:  >  >>