وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ قَرِيبًا.
وَلَوْ تفرَّد بِرِوَايَتِهِ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ قَبُولُ رِوَايَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَضَبُهَا لِأَجْلِ مَا سَأَلَتِ الصِّدِّيقَ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرَاضِي صَدَقَةً لَا مِيرَاثًا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا يَنْظُرُ فِيهَا، فَقَدِ اعْتَذَرَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَهُوَ يَرَى أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا كَانَ يَعْمَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَلِي مَا كَانَ يليه رسول الله، وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا كَانَ يَصْنَعُهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَلَا صَنَعْتُهُ، قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ.
وَهَذَا الْهِجْرَانُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَتَحَ عَلَى فِرْقَةِ الرَّافضة شَرًّا عَرِيضًا، وَجَهْلًا طَوِيلًا، وَأَدْخَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَبَبِهِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ وَلَوْ تفهَّموا الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عليه ليعرفوا لِلصِّدِّيقِ فَضْلَهُ، وَقَبِلُوا مِنْهُ عُذْرَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبُولُهُ، وَلَكِنَّهُمْ طَائِفَةٌ مَخْذُولَةٌ، وَفِرْقَةٌ
مَرْذُولَةٌ، يَتَمَسَّكُونَ بِالْمُتَشَابِهِ، وَيَتْرُكُونَ الْأُمُورَ الْمُحْكَمَةَ المقدرة عِنْدَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ أَجْمَعِينَ.
بَيَانُ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لِمَا رَوَاهُ الصِّدِّيقُ وَمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ؟ قَالَ نَعَمْ! فَأَذِنَ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وعبَّاس؟ قَالَ نَعَمْ! قَالَ عبَّاس: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بإذنه تقوم السماء والأرض هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ " يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وعبَّاس فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَإِنِّي أحدِّثكم عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ قَدْ خَصَّ لِرَسُولِ الله في هذا الفئ بشئ لم يعطه أحداً غيره.
قال: * (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) * [الحشر: ٧] إِلَى قَوْلِهِ: * (قَدِيرٌ) * فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ مَا احتازها دونكم، ولا استأثرها عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ! ثم اقل لَعَلِيٍّ وعبَّاس: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قالا: نعم فتوفى الله نبيه فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَقَبَضَهَا فَعَمِلَ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ أَنَا وَلِيُّ وَلِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، حتَّى جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هذا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute