للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد أحسن عمله ونال أمله، ومن قصر عن ذلك فقد خسر عمله وخاب أمله، وضره أمله، فاعملوا في الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله واجمعوا معها رهبة، وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة، فإن الله قد تأذن المسلمين بالحسنى، ولمن شكر بالزيادة، وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها ولا أكثر مكتسبا من شئ كسبه ليوم تدخر فيه الدخائر، وتبلى فيه السرائر، وتجتمع فيه لكبائر، وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى يجر به الضلال، ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، ومن لا ينفعه حاضره فعازبه عنه أعور، وغائبه عنه أعجز: وإنكم قد أمرت بالظعن (١) ودللتم على الزاد، ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان طول الامل واتباع الهوى، فأما طول الامل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيبعد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم، ولا تكونوا من بني الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، وهذه خطبة بليغة نافعة جامعة للخير ناهية عن الشر. وقد روي لها شواهد من وجوه أخر متصلة ولله الحمد والمنة. وقد ذكر ابن جرير: أن عليا لما نكل أهل العراق عن الذهاب إلى الشام خطبهم فوبخهم وأنبهم وتوعدهم وهددهم وتلا عليهم آيات في الجهاد من سور متفرقة، وحث على المسير إلى عدوهم فأبوا من ذلك وخالفوا ولم يوافقوه، واستمروا في بلادهم، وتفرقوا عنه هاهنا وهاهنا، فدخل على الكوفة.

[فصل]

وقد ذكر الهيثم بن عدي أنه خرج على علي بعد النهروان رجل يقال له: الحارث (٢) بن راشد الناجي، قدم مع أهل البصرة، فقال لعلي: إنك قد قاتلت أهل النهروان في كونهم أنكروا عليك قصة التحكيم وتزعم أنك قد أعطيت أهل الشام عهودك ومواثيقك، وأنك لست بناقضها، وهذان الحكمان قد اتفقا على خلعك ثم اختلفا في ولاية معاوية فولاه عمرو وامتنع أبو موسى من ذلك، فأنت مخلوع باتفاقهما، وأنا قد خلعتك وخلعت معاوية معك، وتبع الحارث هذا بشر كثير من قومه - بني ناجية وغيرهم - وتحيزوا ناحية، فبعث إليهم علي معقل بن قيس الرماحي في جيش كثيف فقتلهم معقل ذريعا وسبى من بني ناجية خمسمائة أهل بيت فقدم بهم ليقدم بهم على علي فتلقاه رجل يقال له: مصقلة بن هبيرة أبو المغلس - وكان عاملا لعلي على بعض الأقاليم - فتضرروا


(١) الظعن: الرحيل عن الدنيا وأمرنا به أمر تكوين أي كما خلقنا الله خلق فينا أن نرحل عن حياتنا الأولى لنستقر في الأخرى.
(٢) في الطبري والكامل: الخريت. وفيهما أنه ظهر سنة ثمان وثلاثين، وسيرد خبره عنهما قريبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>