للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبه، فقد وجده من قرب الكعبة ومكة فوق المحراب والبلاد كلها شرقاً وغرباً، كل إقليم في مكان لائق بِهِ، وَمُصَوَّرٌ فِيهِ كُلُّ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ وَغَيْرِ مثمرة، مصور مشكل فِي بُلْدَانِهِ وَأَوْطَانِهِ، وَالسُّتُورُ مُرْخَاةٌ عَلَى أَبْوَابِهِ النَّافِذَةِ إِلَى الصَّحْنِ، وَعَلَى أُصُولِ الْحِيطَانِ إِلَى مقدار الثلث منها ستور، وَبَاقِي الْجُدْرَانِ بِالْفُصُوصِ الْمُلَوَّنَةِ، وَأَرْضُهُ كُلُّهَا بِالْفُصُوصِ، ليس فيها بلاط، بحيث أنه لم يَكُنْ فِي الدُّنْيَا بِنَاءٌ أَحْسَنُ مِنْهُ، لَا قصور الملوك ولا غيرها، ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ هَذَا الْحَرِيقُ فِيهِ تَبَدَّلَ الْحَالُ الْكَامِلُ بِضِدِّهِ، وَصَارَتْ أَرْضُهُ طِينًا فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، وَغُبَارًا فِي زَمَنِ الصَّيْفِ، مَحْفُورَةً مهجورة، ولم يزل كذلك حَتَّى بُلِّطَ فِي زَمَنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، بَعْدَ السِّتِّمِائَةِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ جَمِيعُ مَا سَقَطَ مِنْهُ مِنَ الرُّخَامِ والفصوص والأخشاب وغيرها، مودعاً في المشاهد الأربعة، حتى فرغها من ذلك كمال الدين الشهر زوري، في زمن الْعَادِلِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِي، حِينَ وَلَّاهُ نَظَرَهُ مَعَ الْقَضَاءِ وَنَظَرَ الْأَوْقَافِ

كُلِّهَا، وَنَظَرَ دَارِ الضَّرْبِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ تَزَلِ الْمُلُوكُ تُجَدِّدُ فِي مَحَاسِنِهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، فتقارب حاله في زمن تنكيز نائب الشام، وقد تقدم أن ابن الجوزي أرخ ما ذكرنا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَتَبِعَهُ ابْنُ السَّاعِي أيضاً في هذه السنة، وكذلك شيخنا الذهبي مؤرخ الإسلام، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِيهَا نَقَمَتِ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْوَفَا بْنِ عَقِيلٍ، وَهُوَ مِنْ كُبَرَائِهِمْ، بِتَرَدُّدِهِ إِلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ الوليد المتكلم المعتزلي، واتهموه بالاعتزال، وإنما كان يتردد إليه ليحيط علماً بمذهبه، ولكن شرقه الهوى فشرق شرقة كادت روحه تخرج معها، وَصَارَتْ فِيهِ نَزْعَةٌ مِنْهُ، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ طَوِيلَةٌ وَتَأَذَّى بِسَبَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، وَمَا سكنت الفتنة بينهم إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا فِيمَا بينهم، بعد اختصام كبير.

وَفِيهَا زَادَتْ دِجْلَةُ عَلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا حتى دخل الماء مشهد أبي حنيفة.

وَفِيهَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْأَفْشِينَ دَخَلَ بِلَادَ الروم حتى انتهى إلى غورية، فَقَتَلَ خَلْقًا وَغَنِمَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً.

وَفِيهَا كَانَ رُخْصٌ عَظِيمٌ فِي الْكُوفَةِ حَتَّى بِيعَ السَّمَكُ كل أربعين رطلاً بحبة.

وفيها حج بالناس أبو الغنائم العلوي.

وممن توفي فيها من الأعيان ... الفوراني صاحب الإبانة أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فُورَانَ الْفُورَانِيُّ (١) ، الْمَرْوَزِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الشافعية، ومصنف الْإِبَانَةِ الَّتِي فِيهَا مِنَ النُّقُولِ الْغَرِيبَةِ، وَالْأَقْوَالِ والأوجه التي لا توجد إلى فيها،


(١) ذكر ابن الأثير في تاريخه وفاتة سنة ٤٦٣ هـ (١٠ / ٦٨) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>