للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ينتظر لا شك فيه فاتبعه، فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه ثم أمر بها فأشرحت (١) عليهم واطلع عليهم من علية له وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم إنه قد جاءني كتاب أحمد وإنه والله النبي الذي كنا ننتظر ومجمل ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته وزمانه، فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم فنخروا نخرة رجل واحد وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم، فخافهم، وقال: ردوهم علي فردوهم عليه فقال لهم: يا معشر الروم إني إنما قلت لكم هذه المقالة أختبركم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم؟ فلقد رأيت منكم ما سرني فوقعوا له سجدا ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا (٢). وقد روى البخاري قصة أبي سفيان مع هرقل بزيادات أخر أحببنا أن نوردها بسندها وحروفها من الصحيح ليعلم ما بين السياقين من التباين وما فيهما من الفوائد. قال البخاري قبل الايمان (٣) من صحيحه: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، ثنا شعيب (٤) عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بايلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بالترجمان فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا، قال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، [قال] فوالله لولا [الحياء من] (٥) أن يؤثروا عني كذبا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا: قال: فهل يغدر؟ قلت: لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتمونه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، فقال للترجمان: قل له سألتك عن نسبه


(١) في البيهقي عن الزهري: فأشرجت عليهم: أي أغلقت.
(٢) نقل الخبر البيهقي عن ابن إسحاق عن الزهري في الدلائل ٤/ ٣٨٤.
(٣) في كتاب بدء الوحي فتح الباري ج ١/ ٢٦.
(٤) شعيب: هو شعيب بن أبي حمزة دينار الحمصي وهو من أثبات أصحاب الزهري.
(٥) ما بين معكوفين من البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>