للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وفاة معز الدولة بن بويه]

ولما كان ثالث عشر ربيع الأول منها توفي أبو الحسن بن بويه الديلمي الذي أظهر الرفض ويقال له معز الدولة، بعلة الذرب، فصار لا يثبت في معدته شئ بالكلية، فلما أحس بالموت أظهر التوبة (١) وأناب إلى الله ﷿، ورد كثيرا من المظالم، وتصدق بكثير من ماله، وأعتق طائفة كثيرة من مماليكه، وعهد بالامر إلى ولده بختيار عز الدولة، وقد اجتمع ببعض العلماء فكلمه في السنة وأخبره أن عليا زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، فقال: والله ما سمعت بهذا قط، ورجع إلى السنة ومتابعتها، ولما حضر وقت الصلاة خرج عنه ذلك الرجل العالم فقال له معز الدولة: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى الصلاة فقال له ألا تصلي ههنا؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لان دارك مغصوبة. فاستحسن منه ذلك. وكان معز الدولة حليما كريما عاقلا، وكانت إحدى يديه مقوطعة وهو أول من أجرى السعاة بين يديه ليبعث بأخباره إلى أخيه ركن الدولة سريعا إلى شيراز، وحضي عنده أهل هذه الصناعة وكان عنده في بغداد ساعيان ماهران، وهما فضل، وبرغوش، يتعصب لهذا عوام أهل السنة، ولهذا عوام أهل الشيعة، وجرت لهما مناصف ومواقف. ولما مات معز الدولة دفن بباب التبن في مقابر قريش، وجلس ابنه للعزاء. وأصاب الناس مطر ثلاثة أيام تباعا، وبعث عز الدولة إلى رؤس الأمراء في هذه الأيام بمال جزيل لئلا تجتمع الدولة على مخالفته قبل استحكام مبايعته، وهذا من دهائه، وكان عمر معز الدولة ثلاثا وخمسين سنة، ومدة ولايته إحدى وعشرين سنة وإحدى عشر شهرا ويومين (٢)، وقد كان نادى في أيامه برد المواريث إلى ذوي الأرحام قبل بيت المال وقد سمع بعض الناس ليلة توفي معز الدولة هاتفا يقول:

لما بلغت أبا الحسين … مراد نفسك بالطلب

وأمنت من حدث الليا … لي واحتجبت عن النوب

مدت إليك يد الردى … وأخذت من بين الرتب (٣)

ولما مات قام بالامر بعده ولده عز الدولة فأقبل على اللعب واللهو والاشتغال بأمر النساء فتفرق شمله واختلفت الكلمة عليه، وطمع الأمير منصور بن نوح الساماني صاحب خراسان في ملك بني بويه، وأرسل الجيوش الكثيرة صحبة وشمكير، فلما علم بذلك ركن الدولة بن بويه أرسل إلى ابنه عضد الدولة وابن أخيه عز الدولة يستنجدهما، فأرسلا إليه بجنود كثيرة، فركب فيها ركن الدولة


(١) قال ابن مسكويه في تجارب الأمم: وأظهر التوبة واحضره وجوه المتكلمين والفقهاء وسألهم عن حقيقة التوبة وهل تصح له فأفتوه بصحتها ولقنوه ما يجب أن يفعل ويقول. وجاء في التكملة: أنه أحضر أبا عبد الله البصري وتاب على يده.
(٢) في العبر لابن خلدون ٣/ ٤٢٦: اثنتين وعشرين سنة.
(٣) في الوفيات ١/ ١٧٦: من بيت الذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>