يعنفه على قبول الوزارة بدون مرسومه، وأمره أن يقيم حساب الديار المصرية، فلم يلتفت صلاح الدين إلى ذلك وجعل نور الدين يقول في غضون ذلك: ملك ابن أيوب. وأرسل [صلاح الدين] إلى نور الدين يطلب منه أهله وإخوته وقرابته، فأرسلهم إليه وشرط عليهم السمع والطاعة له.
فاستقر أمره بمصر وتوطأت دولته بذلك، وكمل أمره وتمكن سلطانه وقويت أركانه. وقد قال بعض الشعراء في قتل صلاح الدين لشاور الوزير:
هيا لمصر حور يوسف ملكها … بأمر من الرحمن كان موقوتا
وما كان فيها قتل يوسف شاورا … يماثل إلا قتل داود جالوتا
قال أبو شامة، وقتل العاضد في هذه السنة أولاد شاور وهم شجاع الملقب بالكامل والطاري الملقب بالمعظم، وأخوهما الآخر الملقب بفارس المسلمين، وطيف برؤوسهم ببلاد مصر.
[ذكر قتل الطواشي]
مؤتمن الخلافة وأصحابه على يدي صلاح الدين، وذلك أنه كتب من دار الخلافة بمصر إلى الفرنج ليقدموا إلى الديار المصرية ليخرجوا منها الجيوش الاسلامية الشامية، وكان الذي يفد بالكتاب إليهم الطواشي مؤتمن الخلافة، مقدم العساكر بالقصر، وكان حبشيا، وأرسل الكتاب مع إنسان أمن إليه فصادفه في بعض الطريق من أنكر حاله، فحمله إلى الملك صلاح الدين فقرره، فأخرج الكتاب ففهم صلاح الدين الحال فكتمه، واستشعر الطواشي مؤتمن الدولة أن صلاح الدين قد اطلع على الامر فلازم القصر مدة طويلة خوفا على نفسه، ثم عن له في بعض الأيام أن خرج إلى الصيد، فأرسل صلاح الدين إليه من قبض عليه وقتله وحمل رأسه إليه، ثم عزل جميع الخدام الذين يلون خدمة القصر، واستناب على القصر عوضهم بهاء الدين قراقوش، وأمره أن يطالعه بجميع الأمور، صغارها وكبارها.
[وقعة السودان،]
وذلك أنه لما قتل الطواشي مؤتمن الخلافة الحبشي، وعزل بقية الخدام غضبوا لذلك، واجتمعوا قريبا من خمسين ألفا، فاقتتلوا هم وجيش صلاح الدين بين القصرين، فقتل خلق كثير من الفريقين، وكان العاضد ينظر من القصر إلى المعركة، وقد قذف الجيش الشامي من القصر بحجارة، وجاءهم منه سهام فقيل كان ذلك بأمر العاضد، وقيل لم يكن بأمره. ثم إن أخا الناصر نورشاه شمس الدولة - وكان حاضرا للحرب قد بعثه نور الدين لأخيه ليشد أزره - أمر بإحراق منظرة العاصد، ففتح الباب ونودي إن أمير المؤمنين يأمركم أن تخرجوا هؤلاء السودان من بين أظهركم،