للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أربع وسبعين فِيهَا عَزَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ طَارِقَ بْنَ عَمْرٍو عن إمارة الْمَدِينَةِ وَأَضَافَهَا إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ، فقدمها فأقام بها أشهراً (١) ثُمَّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي صَفَرٍ فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَبَنَى فِي بَنِي سَلَمَةَ مَسْجِدًا، وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ، وَيُقَالُ إِنَّ الْحَجَّاجَ فِي هَذِهِ السنة وهذه المدة شتم جَابِرًا وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ (٢) وَقَرَّعَهُمَا لِمَ لَا نَصَرَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَخَاطَبَهُمَا خِطَابًا غَلِيظًا قبحه الله وأخزاه، واستقضى أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ أَظُنُّهُ عَلَى الْيَمَنِ وَاللَّهُ أعلم.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا نَقَضَ

الْحَجَّاجُ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ الَّذِي كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَنَاهُ وَأَعَادَهَا عَلَى بُنْيَانِهَا الْأَوَّلِ، قُلْتُ: الْحَجَّاجُ لَمْ يَنْقُضْ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ جَمِيعَهُ: بَلْ إِنَّمَا هَدَمَ الْحَائِطَ الشَّامِيَّ حَتَّى أَخْرَجَ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ ثُمَّ سَدَّهُ وَأَدْخَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ مَا فَضَلَ من الأحجار، وبقية الحيطان الثلاثة بحالها، ولهذا بقى البنيان الشَّرْقِيُّ وَالْغَرْبِيُّ وَهُمَا مُلْصَقَانِ بِالْأَرْضِ كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَكِنْ سَدَّ الْغَرْبِيَّ بِالْكُلِّيَّةِ وَرَدَمَ أَسْفَلَ الشَّرْقِيِّ حَتَّى جَعَلَهُ مُرْتَفِعًا كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَبْلُغِ الْحَجَّاجَ وعبد الْمَلِكِ مَا كَانَ بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مِنَ الْعِلْمِ النَّبَوِيِّ الَّذِي كَانَتْ أَخْبَرَتْهُ بِهِ خَالَتُهُ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تقدَّم ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: (لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ - وَفِي رِوَايَةٍ - بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَأَدَخَلْتُ فِيهَا الْحِجْرَ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَلَأَلْصَقْتُهُمَا بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ فَلَمْ يُدْخِلُوا فِيهَا الْحِجْرَ وَلَمْ يُتَمِّمُوهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَرَفَعُوا بابها ليدخلوا من شاؤوا يمنعوا من شاؤوا " (٣) فلما تمكن


(١) في الطبري ٧ / ٢٠٦ وابن الاثير ٤ / ٣٦٥: شهرا.
(٢) زيد في الطبري وابن الاثير: وأنس بن مالك، وقد قام الحجاج بختم أيديهم وأعناقهم بالرصاص استخفف بهم واذلالا لهم كما يفعل بأهل الذمة.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في الحج.
(٦٩) باب.
ح (٣٩٨) ص (٩٦٨) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>