للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ، وَوَلِيَ الْعَقْدَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ النَّجَاشِيُّ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَحَمَلَهَا إِلَيْهِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَلَمَّا جَاءَ أَبُوهَا عَامَ الْفَتْحِ ليشهد الْعَقْدَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَثَنَتْ عَنْهُ فِرَاشَ رَسُولِ الله فَقَالَ لَهَا: وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا أَدْرِي أَرَغِبْتِ بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنِّي أَمْ بِي عَنْهُ؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ، فَقَالَ لَهَا: وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةَ لَقَدْ لَقِيتِ بَعْدِي شَرًّا.

وَقَدْ كَانَتْ مِنْ سَيِّدَاتِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنَ الْعَابِدَاتِ الْوَرِعَاتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ: حدَّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَعَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ عِنْدَ مَوْتِهَا فَقَالَتْ: قَدْ يَكُونُ بَيْنَنَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ.

فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكِ، مَا كان من ذلك كله وتجاوزت وحاللتك،

فقالت: سررتيني سَرَّكِ اللَّهُ.

وَأَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لها مثل ذلك.

سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ

فِيهَا وَلَّى مُعَاوِيَةُ الْبَصْرَةَ لِلْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ، ثُمَّ عَزَلَهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَوَلَّى زِيَادًا فَقَدِمَ زِيَادٌ الكوفة، وعليها المغيرة فَأَقَامَ بِهَا لِيَأْتِيَهُ رَسُولُ مُعَاوِيَةَ بِوِلَايَةِ الْبَصْرَةِ، فَظَنَّ الْمُغِيرَةُ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَى إِمْرَةِ الْكُوفَةِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ لِيَعْلَمَ خَبَرَهُ فَاجْتَمَعَ بِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهُ عَلَى شئ، فَجَاءَ الْبَرِيدُ إِلَى زِيَادٍ أَنَّ يَسِيرَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ ثُمَّ جَمَعَ لَهُ الْهِنْدَ وَالْبَحْرَيْنَ وَعُمَانَ.

وَدَخَلَ زِيَادٌ الْبَصْرَةَ في مستهل جمادى الأول فَقَامَ فِي أَوَّلِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا - وَقَدْ وَجَدَ الفسق ظاهراً - فَقَالَ فِيهَا: أَيُّهَا النَّاسُ كَأَنَّكُمْ لَمْ تُسْمِعُوا مَا أَعَدَّ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ، والعذاب لأهل المعصية تكونون كمن طرقت جبينه الدنيا وفسدت مَسَامِعَهَ الشَّهَوَاتُ (١) ، فَاخْتَارَ الْفَانِيَةَ عَلَى الْبَاقِيَةِ.

ثُمَّ مَا زَالَ يُقِيمُ أَمْرَ السُّلْطَانِ وَيُجَرِّدُ السَّيْفَ حَتَّى خَافَهُ النَّاسُ خَوْفًا عَظِيمًا، وَتَرَكُوا مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ، وَاسْتَعَانَ بِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَوَلَّى عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ الْقَضَاءَ بِالْبَصْرَةِ، وَوَلَّى الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ نِيَابَةَ خُرَاسَانَ، وَوَلَّى سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بن سمرة وأنس بن مالك، وكان حَازِمَ الرَّأْيِ ذَا هَيْبَةَ دَاهِيَةً، وَكَانَ مُفَوَّهًا فَصِيحًا بَلِيغًا.

قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا سَمِعْتُ مُتَكَلِّمًا قَطُّ تَكَلَّمَ فَأَحْسَنَ إِلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْكُتَ خوفاً من أن يسئ إِلَّا زِيَادًا فَإِنَّهُ كَانَ كُلَّمَا أَكْثَرَ كَانَ أَجْوَدَ كَلَامًا، وَقَدْ كَانَتْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا الحكم بن عمر ونائب زياد على خراسان جبل الأسل عَنْ أَمْرِ زِيَادٍ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَغَنِمَ أَمْوَالًا جَمَّةً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيَادٌ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ جَاءَ كِتَابَهُ أَنَّ يُصْطَفَى له كل صفراء


(١) في الطبري ٦ / ١٢٤ والكامل ٣ / ٤٤٨: كَمَنْ طَرَفَتْ عَيْنُهُ الدُّنْيَا، وَسَدَّتْ مَسَامِعَهَ الشَّهَوَاتُ.
وانظر فيهما الخطبة كاملة - وهي الخطبة البتراء - وفي البيان والتبيين للجاحظ ٢ / ٧١ - ٧٢.
والعقد الفريد ٤ / ١٧٢ - ١٧٤، (طبع القاهرة ١٩٥٣) وفي تهذيب ابن عساكر ٥ / ٤١٢ وفتوح ابن الاعثم ٤ / ١٧٦ - ١٧٧.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>