للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضنوا قلبي وأتبعوا جَسَدِي، كُلَّمَا هَمَمْتُ بِهِمْ أَشَارُوا إِلَى اللَّهِ عز وجل فأكاد احترق.

قال: فلما انتبهت

لبست ثيابي ورحت إلى المسجد الذي ذكر فإذا فيه ثلاثة جلوس ورؤوسهم في مرقعاتهم فرفع أحدهم رأسه إليَّ وقال: يا أبا القاسم لا تغتر بحديث الخبيث، وأنت كلما قيل لك شئ تقبل؟ فإذا هم أبو بكر الدقاق وَأَبُو الْحُسَيْنِ النُّورِيُّ.

وَأَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُلْوِيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ تِلْمِيذُ الْمُزَنِيِّ.

ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ.

ثم دخلت سنة إحدى وتسعين ومائتين فيها جرت وقعة عظيمة بين القرامطة وجند الخليفة فهزموا القرامطة وأسروا رئيسهم الحسن بن زكرويه، ذا الشامة، فَلَمَّا أُسِرَ حُمِلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ فِي جَمَاعَةٍ كثيرة من أصحابه من رؤوسهم وأدخل بغداد على فيل مشهور، وأمر الخليفة بعمل دفة مرتفعة فأجلس عليها وجئ بِأَصْحَابِهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ، وَقَدْ جَعَلَ فِي فَمِهِ خَشَبَةً مُعْتَرِضَةً مَشْدُودَةً إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ أُنْزِلَ فَضُرِبَ مِائَتَيْ سَوْطٍ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرَجْلَاهُ، وَكُوِيَ، ثُمَّ أُحْرِقَ وَحُمِلَ رَأْسُهُ عَلَى خَشَبَةٍ وَطِيفَ بِهِ في أرجاء بغداد، وذلك في ربيع الأول منها.

وَفِيهَا قَصَدَتِ الْأَتْرَاكُ بِلَادَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي جَحَافِلَ عَظِيمَةٍ، فَبَيَّتَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خلقاً كثيروا وسبوا منهم ما لا يحصون (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كفروا بغيظهم لما يَنَالُوا خَيْرًا) [الأحزاب: ٢٥] .

وَفِيهَا بَعَثَ مِلْكُ الرُّومِ عَشَرَةَ صُلْبَانٍ مَعَ كُلِّ صَلِيبٍ عَشَرَةُ آلَافٍ، فغاروا على أطراف البلاد وقتلوا خلقاً وسبوا نساء وذرية.

وَفِيهَا دَخَلَ نَائِبُ طَرَسُوسَ بِلَادَ الرُّومِ فَفَتَحَ مَدِينَةَ أَنْطَاكِيَةَ - وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى سَاحِلِ البحر تعادل عندهم القسطنطينية - وخلّص من أسارى المسلمين خمسة (١) آلاف أسير، وأخذ للروم ستين مركباً وغنم شيئاً كثيراً، فبلغ نصيب كل واحد من الغزاة ألف دينار.

وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الهاشمي.

وفيها توفي مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ سَيَّارٍ أَبُو الْعَبَّاسِ الشَّيْبَانِيُّ مَوْلَاهُمُ، الْمُلَقَّبُ بِثَعْلَبٍ إِمَامُ الْكُوفِيِّينَ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، مَوْلِدُهُ في سنة مائتين، سمع محمد بن زياد الْأَعْرَابِيِّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ بَكَّارٍ وَالْقَوَارِيرِيَّ وَغَيْرَهُمْ، وَعَنْهُ ابن الأنباري وابن عرفة وأبو عمرو الزَّاهِدُ، وَكَانَ ثِقَةً حُجَّةً دَيِّنًا صَالِحًا مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ وَالْحِفْظِ، وَذُكِرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ

الْقَوَارِيرِيِّ مائة ألف حديث.

توفي يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ جُمَادَى الأولى منها، عَنْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً.

قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَكَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَامِعِ وَفِي يَدِهِ كِتَابٌ يَنْظُرُ فِيهِ وَكَانَ قَدْ


(١) في الطبري ١١ / ٣٩١: أربعة آلاف (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>