للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَضَيَّقَ عَلَى النَّاس فِي الْمِيَاهِ وَالْمِيرَةِ، فَمَاتَ بسبب ذلك ستة آلاف من حجيج العراق، وكان فيما ذكروا يأمر غلمانه فتسبق إلى المناهل فيحجزون على المياه ويأخذون الماء فيرشونه حول خيمته في قيظ الحجاز ويسقونه للبقولات التي كانت تحمل معه في ترابها، ويمنعون منه الناس وابن السبيل، الأمين البيت الحرام يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ ربهم ورضواناً، فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ النَّاسِ لَعَنَتْهُ الْعَامَّةُ وَلَمْ تَحْتَفِلْ بِهِ الْخَاصَّةُ وَلَا أَكْرَمَهُ الْخَلِيفَةُ وَلَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَحَدًا، وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ وَالْعَامَّةُ مِنْ وَرَائِهِ يَرْجُمُونَهُ وَيَلْعَنُونَهُ، وَسَمَّاهُ النَّاسُ صَدْرَ جهنم، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله أن يزيدنا شفقة ورحمة لعباده، فإنه إنما يرحم من عباده الرحماء.

وَفِيهَا قَبِضَ الْخَلِيفَةُ عَلَى وَزِيرِهِ ابْنِ مَهْدِيٍّ العلوي، وذلك أنه نُسِبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرُومُ الْخِلَافَةَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حُبِسَ بِدَارِ طَاشْتِكِينَ حَتَّى مَاتَ بِهَا، وَكَانَ جَبَّارًا عَنِيدًا، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ: خَلِيلَيَّ قُولَا لِلْخَلِيفَةِ وانصحا (١) * تَوَقَّ وُقِيتَ السُّوءَ مَا أَنْتَ صَانِعُ وَزِيرُكَ هَذَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ فِيهِمَا * صَنِيعُكَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ ضَائِعُ فَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ سُلَالَةِ حَيْدَرٍ (٢) * فَهَذَا وَزِيرٌ فِي الْخِلَافَةِ طَامِعُ وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَدَّعِي غَيْرَ صَادِقٍ * فَأَضْيَعُ مَا كَانَتْ لَدَيْهِ الصَّنَائِعُ

وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ عَفِيفًا عَنِ الْأَمْوَالِ حَسَنَ السِّيرَةِ جَيِّدَ الْمُبَاشَرَةِ فَاللَّهُ أعلم بحاله.

وفي رمضان منها رَتَّبَ الْخَلِيفَةُ عِشْرِينَ دَارًا لِلضِّيَافَةِ يُفْطِرُ فِيهَا الصائمون من الفقراء، يطبخ لهم فِي كُلِّ يَوْمٍ فِيهَا طَعَامٌ كَثِيرٌ وَيُحْمَلُ إليها أيضاً من الخبز النقي والحلواء شئ كثير، وهذا الصنيع يشبه ما كانت قريش تفعله مِنَ الرِّفَادَةِ فِي زَمَنِ الْحَجِّ، وَكَانَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، كَمَا كَانَ الْعَبَّاسُ يَتَوَلَّى السِّقَايَةَ، وَقَدْ كَانَتْ فِيهِمُ السِّفَارَةُ وَاللِّوَاءُ والندوة له، كَمَا تقدَّم بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ، وَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الْمَنَاصِبُ كُلُّهَا عَلَى أَتَمِّ الْأَحْوَالِ في الخلفاء العباسيين.

وفيها أرسل الخليفة الشَّيخ شهاب الدِّين الشهرزوري وَفِي صُحْبَتِهِ سُنْقُرُ السِّلِحْدَارُ إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ بِالْخِلْعَةِ السَّنِيَّةِ، وَفِيهَا الطَّوْقُ وَالسِّوَارَانِ، وَإِلَى جَمِيعِ أَوْلَادِهِ بِالْخِلَعِ أَيْضًا.

وَفِيهَا مَلَكَ الْأَوْحَدُ بْنُ الْعَادِلِ صَاحِبُ مَيَّافَارِقِينَ مَدِينَةَ خِلَاطَ بَعْدَ قَتْلِ صاحبها شرف الدين بَكْتَمُرَ، وَكَانَ شَابًّا جَمِيلَ الصُّورَةِ جِدًّا، قَتَلَهُ بَعْضُ مَمَالِيكِهِمْ (٣) ثُمَّ قُتِلَ الْقَاتِلُ أَيْضًا، فَخَلَا البلد عن ملك فأخذها الا وحد بن العادل.

وَفِيهَا مَلَكَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مُحَمَّدُ بْنُ تِكِشَ بلاد ما وراء النهر بعد حروب طويلة.

اتَّفق له في بعض


(١) صدره في ابن الاثير: ألا مبلغ عني الخليفة أحمدا.
(٢) في ابن الأثير ١٢ / ٢٧٦: أحمد.
(٣) انظر حاشية ١ صفحة ١٠ فيمن توفي من الأعيان في سنة ٥٨٩ هـ.
أقول وبعد مقتل هزار ديناري ملك بلبان خلاط وقد قتله ابن قلج أرسلان غدرا وطمعا في خلاط.
لكن أهلها منعوه منها وأرسلوا يدعون نجم الدين ليملكوه فحضر عندهم وملك خلاط.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>