للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناجزته في هذه الساعة، فركبوا مَعَ الْأَمِيرِ الْمَعْرُوفِ بِسِيمَا، وَقَصَدُوا دَارَ الْخِلَافَةِ فأحاطوا بها، ثم هجموا عليه من سائر أبوابها وَهُوَ مَخْمُورٌ، فَاخْتَفَى فِي سَطْحِ حَمَّامٍ فَظَهَرُوا عليه فقبضوا عليه وحبسوه في مكان طريف اليشكري (١) ، وأخرجوا طريفاً من السجن، وخرج الوزير الخصيبي مستتراً في زي امرأة، فذهب.

وَاضْطَرَبَتْ بَغْدَادُ وَنُهِبَتْ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ خلون من جمادى الأولى فيها، في الشهر الذي ماتت فيه شغب.

فلم يكن بين موتها والقبض عليه وسمل عينيه وعذابه بأنواع العقوبات إلا مقدار سنة واحدة، وانتقم الله منه.

ثم أمروا بإحضاره، فلما حضر سملوا عَيْنَيْهِ حتَّى سَالَتَا عَلَى خَدَّيْهِ، وَارْتُكِبَ مِنْهُ أمر عظيم لم يسمع مثله في الإسلام، ثم أرسلوه.

وكان تَارَةً يُحْبَسُ وَتَارَةً يُخَلَّى سَبِيلُهُ.

وَقَدْ تَأَخَّرَ موته إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة.

وَافْتَقَرَ حَتَّى قَامَ يَوْمًا بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ فَسَأَلَ الناس فأعطاه رجل خمسمائة دينار.

ويقال إنما أراد بسؤاله التشنيع عليهم.

وسنذكر تَرْجَمَتُهُ إِذَا ذَكَرْنَا وَفَاتَهُ.

خِلَافَةُ الرَّاضِي بِاللَّهِ أَبِي العبَّاس مُحَمَّدِ بْنِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ

لَمَّا خلعت الجند القاهر وسملوا عينيه أَحْضَرُوا أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ فبايعوه بالخلافة ولقبوه الراضي بالله.

وقد أشار أبو بكر الصولي بأن يلقب بالمرضي بالله فلم يقبلوا، وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لَسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الأولى منها.

وجاؤوا بالقاهرة وَهُوَ أَعْمَى قَدْ سُمِلَتْ عَيْنَاهُ فَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ الرَّاضِي بِأَعْبَائِهَا، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْخُلَفَاءِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ فَوَلَّاهُ الْوِزَارَةَ، وَجَعَلَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى ناظراً معه، وَأَطْلَقَ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي حَبْسِ الْقَاهِرِ، وَاسْتَدْعَى عِيسَى طَبِيبَ الْقَاهِرِ فَصَادَرَهُ بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَتَسَلَّمَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ الَّتِي كَانَ الْقَاهِرُ أودعه إياها، وكانت جملة مستكثرة من الذهب والفضة والجواهر النفيسة.

وفيها عَظُمَ أَمْرُ مَرْدَاوِيجَ بِأَصْبَهَانَ وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّهُ يريد أخذ بغداد، وأنه ممالئ لصاحب البحرين

أمير القرامطة، وَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى رَدِّ الدَّوْلَةِ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى الْعَجَمِ، وَأَسَاءَ السِّيرَةَ فِي رَعِيَّتِهِ، لَا سيما في خواصه.

فتمالؤا عليه فقتلوه، وكان القائم بأعباء قتله أخص مماليكه وهو بجكم (٢) بيض الله وجهه، وبجكم هذا هُوَ الَّذِي اسْتَنْقَذَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْ أَيْدِي القرامطة حتى ردوه، اشتراه منهم بخمسين ألف دينار.

ولما قتل الأمير بجكم مرداويج عَظُمَ أَمْرُ عَلِيِّ بْنِ بُوَيْهِ، وَارْتَفَعَ قَدْرُهُ بين الناس، وَسَيَأْتِي مَا آلَ إِلَيْهِ حَالُهُ.

وَلَمَّا خُلِعَ الْقَاهِرُ وَوَلِّيَ الرَّاضِي، طَمِعَ هَارُونُ بْنُ غَرِيبٍ فِي الْخِلَافَةِ، لِكَوْنِهِ ابْنَ خَالِ الْمُقْتَدِرِ، وَكَانَ نائباً على ماه والكوفة والدينور وماسبذان، فدعا إلى نفسه واتبعه خلق كثير مِنَ الْجُنْدِ وَالْأُمَرَاءِ، وَجَبَى الْأَمْوَالَ وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، وَقَصَدَ بَغْدَادَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بن ياقوت


(١) في الكامل ٨ / ٢٨١: السبكري.
(٢) من الكامل ٨ / ٣٠٣ وفي الاصل: بحكم، وقد صحح أينما ورد (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>