للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو بَكْرٍ الْأَزْدِيُّ الْوَاسِطِيُّ، الْمَعْرُوفُ بَالْبَاغَنْدِيِّ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ وَشَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ، وَخَلْقًا مِنْ أَهْلِ الشَّام وَمِصْرَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ، وَرَحَلَ إِلَى الْأَمْصَارِ الْبَعِيدَةِ، وَعُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَاشْتَغَلَ فِيهِ فأفرط، حتى قيل إنه رُبَّمَا سَرَدَ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ بِأَسَانِيدِهَا فِي الصَّلَاةِ والنوم وهو لايشعر، فكانوا يسبحون بِهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ يقول: أنا أجيب في ثلثمائة ألف مسألة من الحديث لا أتجاوزه إلى غيره.

وَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامه فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا أَثْبَتُ في الأحاديث منصور أو الأعمش؟ فقال له: مَنْصُورٌ.

وَقَدْ كَانَ يُعَابُ بِالتَّدْلِيسِ حَتَّى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ، يُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يسمع، وربما سرق بعض الأحاديث وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وثلاثمائة قال ابن الجوزي: في ليلة بَقِيَتْ مِنَ الْمُحَرَّمِ انْقَضَّ كَوْكَبٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ إِلَى الشَّمال قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَأَضَاءَتِ الدُّنْيَا مِنْهُ وَسُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَصَوْتِ الرَّعْدِ الشديد.

وفي صفر منها بلغ الخليفة أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الرَّافِضَةِ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسْجِدِ براثى فَيَنَالُونَ مِنَ الصَّحابة وَلَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ، وَيُكَاتِبُونَ القرامطة ويدعون إلى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الَّذِي ظَهَرَ بَيْنَ الْكُوفَةِ وبغداد، ويدّعون أنه المهدي، ويتبرأون من المقتدر وممن تبعه.

فأمر بالاحتياط عليهم واستفتى العلماء بالمسجد فأفتوا بأنه مسجد ضرار، فَضَرَبَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمُ الضَّرْبَ الْمُبَرِّحَ، ونودي عليهم.

وأمر بهدم ذلك المسجد المذكور فهدم، هدمه نَازُوكُ، وَأَمَرَ الْوَزِيرَ الْخَاقَانِيَّ فَجَعَلَ مَكَانَهُ مَقْبَرَةً فدفن فيها جماعة من الموالي.

وَخَرَجَ النَّاسُ لِلْحَجِّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَاعْتَرَضَهُمْ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيُّ القرمطي، فرجع أكثر الناس إلى بلدانهم، وَيُقَالُ إِنَّ بَعْضَهُمْ سَأَلَ مِنْهُ الْأَمَانَ لِيَذْهَبُوا فَأَمَّنَهُمْ.

وَقَدْ قَاتَلَهُ جُنْدُ الْخَلِيفَةِ فَلَمْ يُفِدْ ذلك شيئاً لتمرده وشدة بأسه، فانزعج أَهْلُ بَغْدَادَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَرَحَّلَ أَهْلُ الْجَانِبِ الغربي إلى الجانب الشرقي خوفاً منهم، ودخل القرمطي إلى الكوفة فأقام بها شهراً يأخذ من أموالها ونسائهم ما يختار.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَكَثُرَ الرُّطَبُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِبَغْدَادَ حَتَّى بِيعَ كُلُّ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ بِحَبَّةٍ، وَعُمِلَ مِنْهُ تَمْرٌ وَحُمِلَ إِلَى الْبَصْرَةِ (١) .

وعزل المقتدر وزيره الخاقاني (٢) بعد أن ولاه سنة وستة أشهر ويومين، وولى مكانه أبا القاسم أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الخطيب الْخَصِيبِيُّ، لِأَجْلِ مَالٍ بَذَلَهُ مِنْ جِهَةِ زَوْجَةِ للحسن بْنِ الْفُرَاتِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ سَبْعَمِائَةِ أَلْفِ دينار فأمر الخصيبي علي بن


(١) زاد في الكامل ٨ / ١٦٠: وواسط.
(٢) قال صاحب الفخري: صودر وعزل ثم توفي في سنة ٣١٢ هـ (ص ٢٦٩) (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>