للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشديد بطشي، وعلو مكاني وعظمة شأني، فلا شئ مثلي، ولا إله غيري، وليس ينبغي لشئ خلقته أن يعدل بي ولا ينكرني، وكيف ينكرني من خلقته يوم خلقته على معرفتي؟ أم كيف يكابرني من قهر قهره ملكي؟ أم كيف يعجزني من ناصيته بيدي؟ أم كيف يعدل بي من أعمره وأسقم جسمه وأنقص عقله وأتو في نفسه وأخلقه وأهرمه فلا يمتنع مني؟ أم كيف يستنكف عن عبادتي عبدي وابن عبدي وابن أمتي، ومن لا ينسب إلى خالق ولا وارث غيري؟ أم كيف يعبد دوني من تخلقه الأيام، ويفني أجله اختلاف الليل والنهار؟ وهما شعبة يسيرة من سلطاني؟ فإلي إلي يا أهل الموت والفناء، لا إلى غيري، فإني كتبت الرحمة على نفسي وقضيت العفو والمغفرة لمن استغفرني، أغفر الذنوب جميعاً، صغيرها وكبيرها لمن استغفرني، ولا يكبر ذلك علي ولا يتعاظمني، فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولا تقنطوا من رحمتي، فإن رحمتي سبقت غضبي، وخزائن الخير كلها بيدي، ولم أخلق شيئاً مما خلقت لحاجة كانت مني إليه، ولكن لأبين به قدرتي، ولينظر الناظرون في ملكي، ويتدبروا حكمتي، وليسبحوا بحمدي ويعبدوني لا يشركوا بي شيئا، ولتعنو (١) الوجوه كلها إلي.

وقال أشرس عن وهب قال: قال داود: إلهي أين أجدك؟ قال عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي.

وقال كان رجل من بني إسرائيل صام سبعين أسبوعاً يفطر في كلٍّ يوماً وهو يسأل الله أن يريه كيف يغوي الشيطان الناس، فلما أن طال ذلك عليه ولم يجب، قال في نفسه: لو أقبلت على خطيئتي وعلى ذنوبي وما بيني وبين ربي لكان خيراً من هذا الأمر الذي أطلب، ثم أقبل على نفسه فقال: يا نفس من قبلك أتيت، لو علم الله فيك خيراً لقضى حاجتك.

فأرسل الله ملكاً إلى نبيهم: أن قل لفلان العابد: إزراؤك على نفسك وكلامك الذي تكلمت به، أعجب إليَّ مما مضى من عبادتك، وقد أجاب الله سؤالك، وفتح بصرك فانظر الآن، فنظر فإذا أحبولة لابا قد أحاطت بالأرض، وإذا ليس أحد من بني آدم إلا وحوله شياطين مثل الذباب، فقال: إي رب.

ومن ينجو من هؤلاء؟ قال صاحب القلب الوادع اللين.

وقال وهب: كان رجل من السائحين فأتى على أرض فيها قثاء فدعته نفسه إلى أخذ شئ منه، فعاقبها فقام مكانه يصلي ثلاثة أيام، فمر به رجل وقد لوحته الشمس والريح، فلما نظر إليه قال:

سبحان الله! ! لكأنما أحرق هذا الإنسان بالنار، فقال السائح: هكذا بلغ مني ما ترى خوف النار، فكيف بي لو قد دخلتها؟ ! وقال: كان رجل من الأولين أصاب ذنباً فقال: لله علي أن لا يظلني سقف بيت أبداً حتى تأتيني براءة من النار، فكان بالصحراء في الحر والقر، فمر به رجل فرأى شدة حاله فقال: يا عبد الله ما بلغ بك ما أرى؟ فقال: بلغ ما ترى ذكر جهنم، فكيف بي إذا أنا وقعت فيها! ؟.

وقال: لا


(١) ولتعنو: أي لتخضع.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>