للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده قتالاً شديداً، وجرت حرب عظيمة لم يسمع بمثلها بموقف، فغلب المسلمون الهنود وخلصوا

صاحبهم وحملوه عَلَى كَوَاهِلِهِمْ فِي مَحَفَّةٍ عِشْرِينَ (١) فَرْسَخًا، وَقَدْ نزفه الدم، لما تَرَاجَعَ إِلَيْهِ جَيْشُهُ أَخَذَ فِي تَأْنِيبِ الْأُمَرَاءِ، وحلف ليأكلن كل أمير عليق فرسه، وما أدخلهم غزنة إلا مشاة.

وفيها وَلَدَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سَوَادِ بَغْدَادَ بِنْتًا لَهَا أَسْنَانٌ.

وَفِيهَا قَتَلَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ أُسْتَاذَ دَارِهِ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ الصَّاحِبِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى الْأُمُورِ وَلَمْ يَبْقَ لِلْخَلِيفَةِ مَعَهُ كَلِمَةٌ تطاع، وَمَعَ هَذَا كَانَ عَفِيفًا عَنِ الْأَمْوَالِ، جَيِّدَ السيرة، فأخذ الخليفة منه شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْحَوَاصِلِ وَالْأَمْوَالِ.

وَفِيهَا اسْتَوْزَرَ الخليفة أبا المظفر جَلَالَ الدِّينِ، وَمَشَى أَهْلُ الدَّوْلَةِ فِي رِكَابِهِ حتى قاضي القضاة ابن الدَّامَغَانِيِّ وَقَدْ كَانَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا شَاهِدًا عند القاضي، وكان يقول وهو يمشي في ركابه لَعَنَ اللَّهُ طُولَ الْعُمْرِ، فَمَاتَ الْقَاضِي فِي آخر هذه السنة.

وفيها توفي مِنَ الْأَعْيَانِ..الشَّيْخُ عَبْدُ الْمُغِيثِ بْنُ زُهَيْرٍ الْحَرْبِيُّ (٢) كَانَ مِنْ صُلَحَاءِ الْحَنَابِلَةِ، وَكَانَ يُزَارُ، وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي فَضْلِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، أتى فيه بالغرائب والعجائب، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فَأَجَادَ وَأَصَابَ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا اتَّفَقَ لِعَبْدِ الْمُغِيثِ هَذَا أَنَّ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ - وَأَظُنُّهُ النَّاصِرَ - جاءه زائراً مستخفياً، فعرفه الشيخ عبد المغيث ولم يعلمه بأنه قَدْ عَرَفَهُ، فَسَأَلَهُ الْخَلِيفَةُ عَنْ يَزِيدَ أَيُلْعَنُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ لَا أُسَوِّغُ لَعْنَهُ لِأَنِّي لو فتحت هذا الباب لأفضى الناس إلى لعن خليفتنا.

فقال الخليفة: ولِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَفْعَلُ أَشْيَاءَ مُنْكَرَةً كَثِيرَةً، مِنْهَا كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ شَرَعَ يُعَدِّدُ عَلَى الخليفة أفعاله القبيحة، وما يقع منه من المنكر لِيَنْزَجِرَ عَنْهَا، فَتَرَكَهُ الْخَلِيفَةُ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وقد أثر كلامه فيه، وانتفع به.

مات في المحرم من هذه السنة.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ: عَلِيُّ بْنُ خَطَّابِ بْنِ خلف العابد الناسك، أحد الزهاد، ودوي الْكَرَامَاتِ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِجَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ.

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ: وَلَمْ أرَ مِثْلَهُ في حسن خلقه وسمته وكراماته وعبادته.


(١) في الكامل ١١ / ٥٦١: أربعة وعشرين.
(٢) في الكامل ١١ / ٥٦٢: الحري ; وفي طبقات ابن رجب: أبو العز بن أبي حرب.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>