للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَسَلَّمُوا الْقُدْسَ الشَّرِيفَ، وَكَانَ الْمُعَظَّمُ قَدْ هَدَمَ أَسْوَارَهُ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِدًّا وَحَصَلَ وَهْنٌ شَدِيدٌ وَإِرْجَافٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

ثُمَّ قَدِمَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ فَحَاصَرَ دِمَشْقَ وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا فَقَطَعَ الْأَنْهَارَ ونهُبت الحواصل وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَلَمْ يَزَلِ الْجُنُودُ حَوْلَهَا حَتَّى أَخْرَجَ مِنْهَا ابْنَ أَخِيهِ صَلَاحِ الدِّينِ الْمَلِكَ النَّاصِرَ دَاوُدَ بْنَ الْمُعَظَّمِ، عَلَى أَنْ يُقِيمَ ملكاً بمدينة الكرك والشوبك ونابلس وبرا ما بين الْغَوْرِ وَالْبَلْقَاءِ وَيَكُونُ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ أُسْتَاذُ دَارِ الْمُعَظَّمِ صَاحِبَ

صَرْخَدَ، ثُمَّ تَقَايَضَ الأشرف وأخاه الْكَامِلُ فَأَخَذَ الْأَشْرَفُ دِمَشْقَ وَأَعْطَى أَخَاهُ حَرَّانَ والرها والرقة ورأس العين وَسَرُوجَ، ثُمَّ سَارَ الْكَامِلُ فَحَاصَرَ حَمَاةَ وَكَانَ صَاحِبُهَا الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ بْنُ تَقِيِّ الدِّينِ عَمَرَ قَدْ تُوُفِّيَ وَعَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى أَكْبَرِ وَلَدِهِ الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ زَوْجُ بِنْتِ الْكَامِلِ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَى حَمَاةَ أَخُوهُ صَلَاحُ الدِّينِ قلج أَرْسَلَانَ فَحَاصَرَهُ الْكَامِلُ حتَّى أَنْزَلَهُ مِنْ قَلْعَتِهَا وَسَلَّمَهَا إِلَى أَخِيهِ الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ سَارَ فَتَسَلَّمَ الْبِلَادَ الَّتِي قَايَضَ بِهَا عَنْ دِمَشْقَ مِنْ أَخِيهِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ النَّاسُ بِدِمَشْقَ قَدِ اشْتَغَلُوا بِعِلْمِ الْأَوَائِلِ فِي أَيَّامِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ دَاوُدَ، وَكَانَ يُعَانِي ذَلِكَ وقديماً نَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الِانْحِلَالِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَنَادَى الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ بِالْبُلْدَانِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِذَلِكَ وَأَنْ يَشْتَغِلُوا بِعِلْمِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَكَانَ سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ مُدَرِّسًا بِالْعَزِيزِيَّةِ فَعَزَلَهُ عَنْهَا وَبَقِيَ مُلَازِمًا مَنْزِلَهُ حَتَّى مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ كَمَا سَيَأْتِي.

وَفِيهَا كَانَ النَّاصِرُ دَاوُدُ قَدْ أَضَافَ إِلَى قاضي القضاة شمس الدين بن الخولي القاضي محيي الدِّينِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الزَّكِيِّ، فَحَكَمَ أَيَّامًا بِالشُّبَّاكِ، شَرْقِيَّ بَابِ الْكَلَّاسَةِ، ثم صار الحكم بداره، مشاركاً لابن الخولي.

وممن توفي فيها من الأعيان: الْمَلِكُ الْمَسْعُودُ أَقْسِيسُ (١) بْنُ الْكَامِلِ صَاحِبُ الْيَمَنِ، وقد ملك مكة سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ فَأَحْسَنَ بِهَا الْمَعْدَلَةَ، وَنَفَى الزَّيْدِيَّةَ مِنْهَا، وَأَمِنَتِ الطُّرُقَاتُ وَالْحُجَّاجُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، فِيهِ عَسْفٌ وَظُلْمٌ أَيْضًا.

وكانت وفاته بمكة ودفن بباب المعلى.


(١) = - يظل بأيدي المسلمين من بيت المقدس، منطقة المعبد بما تحتوي عليه من قبة الصخرة والمسجد الاقصى.
- للمسلمين الحق في التردد إليها وحرية العبادة.
- اطلاق سراح الاسرى عند كل من الجانبين.
- أجلها عشر سنين (مسيحية) الموافقة عشر سنين وخمسة شهور (هجرية) وانظر تاريخ أبي الفداء ٣ / ١٤١.
(١) في تاريخ أبي الفداء: يوسف الملقب أطسز والمعروف بأقسيس: وأقسيس بلغة اليمن: الموت.
وكانت مدة ملكه
على اليمن ١٤ سنة وكان عمره يوم مات ٢٦ سنة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>