للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين بكرة يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة (١)، وله من العمر إحدى وخمسون سنة، وأربعة

أشهر وسبعة أيام (٢)، وكتم موته حتى كان الدعاء له على المنابر ذلك اليوم، وكانت مدة ولايته

ست عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما (٣)، ودفن بدار الخلافة، ثم نقل إلى الترب من

الرصافة. وكان جميل الصورة حسن السريرة جيد السيرة، كثير الصدقات والبر والصلات،

محسنا إلى الرعية بكل ما يقدر عليه، كان جده الناصر قد جمع ما يتحصل من الذهب في بركة في

دار الخلافة، فكان يقف على حافتها ويقول: أترى أعيش حتى أملاها، وكان المستنصر يقف على

حافتها ويقول أترى أعيش حتى أنفقها كلها. فكان يبني الربط والخانات والقناطر في الطرقات من

سائر الجهات، وقد عمل بكل محلة من محال بغداد دار ضيافة للفقراء، لا سيما في شهر رمضان،

وكان يتقصد الجواري اللائي قد بلغن الأربعين فيشترين له فيعتقهن ويجهزهن ويزوجهن، وفي كل

وقت يبرز صلاته ألوف متعددة من الذهب، تفرق في المحال ببغداد على ذوي الحاجات والأرامل

والأيتام وغيرهم، تقبل الله تعالى منه وجزاه خيرا، وقد وضع ببغداد المدرسة المستنصرية

للمذاهب الأربعة، وجعل فيها دار حديث وحماما ودار طب، وجعل لمستحقيها من الجوامك

والأطعمة والحلاوات والفاكهة ما يحتاجون إليه في أوقاته، ووقف عليها أوقافا عظيمة حتى قيل إن

ثمن التبن من غلات ريعها يكفي المدرسة وأهلها. ووقف فيها كتبا نفيسة ليس في الدنيا لها نظير،

فكانت هذه المدرسة جمالا لبغداد وسائر البلاد (٤)، وقد احترق في أول هذه السنة المشهد الذي

بسامرا المنسوب إلى علي الهادي والحسن العسكري، وقد كان بناه أرسلان البساسيري في أيام تغلبه

على تلك النواحي، في حدود سنة خمسين وأربعمائة، فأمر الخليفة المستنصر بإعادته إلى ما كان

عليه، وقد تكلمت الروافض في الاعتذار عن حريق هذا المشهد بكلام طويل بارد لا حاصل له،

وصنفوا فيه أخبارا وأنشدوا أشعارا كثيرة لا معنى لها، وهو المشهد الذي يزعمون أنه يخرج منه

المنتظر الذي لا حقيقة له، فلا عين ولا أثر، ولو لم يبن لكان أجدر، وهو الحسن بن علي بن محمد

الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن علي بن محمد بن الباقر بن علي زين


(١) في نهاية الإرب ٢٣/ ٣٢٢: لعشر خلون من جمادى الأولى، وفي الجواهر الثمين ١/ ٢١٨: في ثاني وعشرين
جمادى الآخرة سنة ٦٣٩ هـ.
(٢) في دول الاسلام ٢/ ١٤٥: وله اثنتان وخمسون سنة. وفي خلاصة الذهب المسبوك ص ٢٨٨: اثنتان وخمسون
سنة وستة أشهر وسبعة عشر يوما.
(٣) في خلاصة الذهب المسبوك ص ٢٨٩: ست عشرة سنة وعشرة أشهر وعشرين يوما. وفي نهاية الإرب
٢٣/ ٣٢٢: سبع عشرة سنة إلا ثلاثة أشهر وثلاثين يوما. وفي دول الاسلام ٢/ ١٤٦: سبع عشرة سنة.
(٤) وتسمى أيضا بالمدرسة الشاطئية. قال صاحب مرآة الزمان ٨/ ٧٣٩ فيها: " وليس في الدنيا مثل هذه المدرسة،
ولا بني مثلها في سالف الأعوام، فهي في العراق كجامع دمشق وقبة الصخرة بالشام " وبشأنها جاء في دول
الاسلام حوليات ٦٣١ هـ: " وفيها تكامل بناء المدرسة المستنصرية، قيل أن قيمة ما وقف عليها يساوي ألف
ألف دينار، غلت في بعض السنين سبعين ألف دينار ".

<<  <  ج: ص:  >  >>