للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا أَبْطَأَ خَبَرُ صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ عَلَى موسى بن بغا وأصحابه قال بعظهم لِبَعْضٍ: اخْلَعُوا هَذَا

الرَّجل - يَعْنِي الْخَلِيفَةَ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا صَوَّامًا قَوَّامًا لَا يَشْرَبُ الخمر وَلَا يَأْتِي الْفَوَاحِشَ؟ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَيْسَ كغيره من الخلفاء ولا تطاوعكم النَّاسُ عَلَيْهِ.

وَبَلَغَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا فَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ وَاسْتَدْعَى بِمُوسَى بْنِ بُغَا وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: قَدْ بَلَغَنِي مَا تَمَالَأْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ إِلَّا وَأَنَا مُتَحَنِّطٌ وقد أوصيت أَخِي بِوَلَدِي، وَهَذَا سَيْفِي، وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ بِهِ مَا اسْتَمْسَكَ قَائِمُهُ بِيَدِي، وَاللَّهِ لَئِنْ سَقَطَ من شعري شعرة ليهلكن بدلها منكم، أَوْ لِيَذْهَبَنَّ بِهَا أَكْثَرُكُمْ، أَمَا دِينٌ؟ أَمَا حياء؟ أما تستحيون؟ كم يكون هذا الإقدام على الخلفاء والجرأة على الله عز وجل وأنتم لا تبصرون؟ سواء عليكم من قصد الإبقاء عليكم والسيرة الصالحة فيكم، ومن كان يدعو بأرطال الشراب المسكر فيشربها بين أظهركم وأنتم لا تنكرون ذلك، ثم يستأثر بالأموال عنكم وعن الضعفاء، هذا منزلي فاذهبوا فانظروا فيه وَفِي مَنَازِلِ إِخْوَتِي وَمَنْ يَتَّصِلُ بِي هَلْ ترون فيها من آلات الخلافة شيئاً، أو من فرشها أو غير ذلك؟ وإنما في بيوتنا ما فِي بُيُوتِ آحَادِ النَّاسِ، وَيَقُولُونَ إِنِّي أَعْلَمُ علم صالح بن وصيف، وهل هو إلا واحد مِنْكُمْ؟ فَاذْهَبُوا فَاعْلَمُوا عِلْمَهُ فَابْلُغُوا شِفَاءَ نُفُوسِكُمْ فِيهِ وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَعْلَمُ عِلْمَهُ.

قَالُوا: فَاحْلِفْ لَنَا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ أَمَّا الْيَمِينُ فإني أبذلها لكم، ولكن أدخرها لَكُمْ حَتَّى تَكُونَ بِحَضْرَةِ الْهَاشِمِيِّينَ وَالْقُضَاةِ وَالْمُعَدَّلِينَ وَأَصْحَابِ الْمَرَاتِبِ فِي غَدٍ إِذَا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ.

قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ لَانُوا لِذَلِكَ قَلِيلًا.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ ظفروا بصالح بن وصيف فقتل وجئ برأسه إلى المهتي بِاللَّهِ وَقَدِ انْفَتَلَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ قَالَ: وَارُوهُ.

ثُمَّ أَخَذَ فِي تَسْبِيحِهِ وَذِكْرِهِ.

وَلَمَّا أَصْبَحَ الصَّبَاحُ مِنْ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ رُفِعَ الرَّأْسُ عَلَى رُمْحٍ وَنُودِيَ عَلَيْهِ فِي أَرْجَاءِ الْبَلَدِ.

هَذَا جَزَاءُ مَنْ قتل مولاه.

وما زال الأمر مضطرباً متفاقماً وعظم الخطب حتى أفضى إلى خلع الخليفة المهتدي وقتله رحمه الله.

[خلع المهتدي بالله وولاية المعتمد أحمد بن المتوكل]

لما بلغ موسى بن بغا أن مساور الشاري قد عاث بتلك الناحية فساد رَكِبَ إِلَيْهِ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ وَمَعَهُ مُفْلِحٌ وبايكباك (١) التركي فاقتتلواهم ومساور الخارجي ولم يظفروا به بل هرب مِنْهُمْ وَأَعْجَزَهُمْ، وَكَانَ قَدْ فَعَلَ قَبْلَ مَجِيئِهِمُ الأفاعيل المنكرة فرجعوا ولم يقدروا عليه.

ثم أن الخليفة أَرَادَ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ

كَلِمَةِ الْأَتْرَاكِ فَكَتَبَ إِلَى بَايَكْبَاكَ (٢) أَنْ يَتَسَلَّمَ الْجَيْشَ مِنْ مُوسَى بْنِ بُغَا وَيَكُونَ هُوَ الْأَمِيرَ عَلَى النَّاس وَأَنْ يُقْبِلَ بِهِمْ إِلَى سَامَرَّا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابُ أَقْرَأَهُ مُوسَى بْنَ بُغَا فَاشْتَدَّ عضبه على المهتدي واتفقا


(١) في ابن الاثير ٧ / ٢٢٨ ومروج الذهب ٤ / ٢١٠: بابكيال.
(٢) في ابن الاثير ومروج الذهب: كتب إليه أن يتسلم العسكر ويقوم بحرب مساور ويقتل موسى بن بغا ومفلح.
(انظر الطبري ١١ / ٢٠٣) .
زاد في مروج الذهب: أنه كتب أيضا كتاب إلى موسى بن بغا يطلب فيه منه قتل بابكيال (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>