للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدم، وهو أفضل من أمير المؤمنين، وإنما كان المقدم أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ صَدَقَ وَخَلَعَ عليه، ونفى ذلك الشاعر - وهو الوجيه الفزاري - إلى مصر، وَكَانَتْ وَفَاةُ النَّاصِرِ دَاوُدَ بِقَرْيَةِ الْبُوَيْضَا (١) مُرَسَّمًا عَلَيْهِ وَشَهِدَ جِنَازَتَهُ صَاحِبُ دِمَشْقَ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سنة سبع وخمسين وستمائة

اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ خَلِيفَةٌ، وَسُلْطَانُ دِمَشْقَ وَحَلَبَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّين يُوسُفُ بْنُ الْعَزِيزِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الظَّاهِرِ غَازِيِّ بن الناصر صلاح الدين، وَهُوَ وَاقِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِيِّينَ وَقَدْ مَلَّكُوا نُورَ الدِّينِ عَلِيَّ بْنَ الْمُعِزِّ أَيْبَكَ التُّرْكُمَانِيَّ ولقبوه بالمنصور، وقد أرسل الملك الغاشم هولاكو خان إلى الملك الناصر صاحب دمشق يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَلَدَهُ الْعَزِيزَ وَهُوَ صَغِيرٌ وَمَعَهُ هَدَايَا كَثِيرَةٌ وَتُحَفٌ، فَلَمْ يَحْتَفِلْ به هولاكو خان بل غضب على أبيه إذ لم يقبل إليه، وأخذ ابنه وقال: أنا أَسِيرُ إِلَى بِلَادِهِ بِنَفْسِي، فَانْزَعَجَ النَّاصِرُ لِذَلِكَ، وَبَعَثَ بِحَرِيمِهِ وَأَهْلِهِ إِلَى الْكَرَكِ لِيُحَصِّنَهُمْ بِهَا وخاف أهل دمشق خوفاً شديداً، ولا سيما لما بلغهم إن التتار قد قطعوا الفرات، سافر كثير منهم إلى مصر في زمن الشتاء، فمات ناس كثير منهم ونهبوا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَأَقْبَلَ هُولَاكُو خان فقصد الشام بجنوده وعساكره، وقد امتنعت عليه ميافارقين مُدَّةَ سَنَةٍ وَنِصْفٍ (٢) ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَلَدَهُ أَشْمُوطَ (٣) فافتتحها قسراً وأنزل مَلِكَهَا الْكَامِلَ بْنَ الشِّهَابِ غَازِي بْنِ الْعَادِلِ فَأَرْسَلَهُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ مُحَاصَرٌ حَلَبَ فَقَتَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَنَابَ عَلَيْهَا بَعْضَ مَمَالِيكِ الْأَشْرَفِ، وَطِيفَ بِرَأْسِ الْكَامِلِ فِي الْبِلَادِ، وَدَخَلُوا بِرَأْسِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَنُصِبَ عَلَى بَابِ الْفَرَادِيسِ الْبَرَّانِيِّ، ثُمَّ دُفِنَ بِمَسْجِدِ الرَّأْسِ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَادِيسِ الْجَوَّانِيِّ، فَنَظَمَ أَبُو شَامَةَ فِي ذَلِكَ قَصِيدَةً يَذْكُرُ فِيهَا فَضْلَهُ وَجِهَادَهُ، وَشَبَّهَهُ بِالْحُسَيْنِ فِي قَتْلِهِ مَظْلُومًا، وَدُفِنَ رَأْسُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ.

وَفِيهَا عمل الخواجة نَصِيرُ الدِّينِ الطُّوسِيُّ الرَّصْدَ بِمَدِينَةِ مَرَاغَةَ، وَنَقَلَ إِلَيْهِ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ كُتُبِ الْأَوْقَافِ الَّتِي كانت ببغداد، وعمل دار حكمة ورتب فيها فلاسفة، ورتب لكل واحد في اليوم والليلة ثلاثة دراهم، ودار طب فيها للطبيب فِي الْيَوْمِ دِرْهَمَانِ، وَمَدْرَسَةً لِكُلِّ فَقِيهٍ فِي الْيَوْمِ دِرْهَمٌ، وَدَارَ حَدِيثٍ لِكُلِّ مُحَدِّثٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ فِي الْيَوْمِ.

وَفِيهَا قَدِمَ الْقَاضِي الْوَزِيرُ كَمَالُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ أَبِي جَرَادَةَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْعَدِيمِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ رَسُولًا مِنْ صَاحِبِ دِمَشْقَ النَّاصِرِ بْنِ الْعَزِيزِ يَسْتَنْجِدُ الْمِصْرِيِّينَ على قتال التتار، وأنهم قَدِ اقْتَرَبَ قُدُومُهُمْ إِلَى الشَّامِ، وَقَدِ اسْتَوْلَوْا على


(١) البويضا: " قرية شرقي دمشق " وبها مولده سنة ٦٠٣ هـ وكان عمره نحو ٥٣ سنة.
وقد مات بالطاعون الذي لحق الناس في الشام.
ونقل منها ودفن بالصالحية في تربة والده المعظم (تاريخ أبي الفداء ٣ / ١٩٥) .
(٢) في تاريخ أبي الفداء: سنتين، وفي تاريخ ابن خلدون ٣ / ٥٣٧: سنين.
(٣) في تاريخ أبي الفداء ٣ / ١٩٩: سموط.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>