للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَلَّاتِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى مَأْخُوذٌ مِنْ شُرْبِ الْعَلَلِ بَعْدَ النَّهَلِ.

وَأَمَّا إِخْوَةُ الْأَخْيَافِ فَعَكْسُ هَذَا أَنْ تَكُونَ أُمُّهُمْ وَاحِدَةً مِنْ آبَاءٍ شَتَّى.

وَإِخْوَةُ الْأَعْيَانِ فَهُمُ الْأَشِقَّاءُ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " (١) وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ لَا يُورَثُونَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ الدُّنْيَا أَحْقَرُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُخَلَّفَةً عَنْهُمْ، ولأن توكلهم على الله عزوجل فِي ذَرَارِيِّهِمْ أَعْظَمُ

وَأَشَدُّ وَآكَدُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجُوا مَعَهُ إِلَى أَنْ يَتْرُكُوا لِوَرَثَتِهِمْ مِنْ بعدهم ما لا يَسْتَأْثِرُونَ بِهِ عَنِ النَّاسِ، بَلْ يَكُونُ جَمِيعُ ما تركوه صدقة لفقراء الناس، ومحاويجهم وذو خَلَّتِهِمْ.

وَسَنَذْكُرُ جَمِيعَ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَعَ خَصَائِصِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي أوَّل كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ اقْتِدَاءً بِالْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أن (٢) عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فِي سَفَرٍ إِذْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ إِذْ نَادَى مُنَادِيهِ: الصَّلاة جَامِعَةٌ قَالَ فَاجْتَمَعْنَا قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَنَا فَقَالَ: " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نبيّ قبلي إلا دل أمته على خير ما يعلمه لهم، وحذرهم مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَتْ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَإِنَّ آخِرَهَا سَيُصِيبُهَا بلاء شديد وأمور ينكرونها تجئ فتن يريق بعضها بعضا، تجئ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي.

ثُمَّ تَنْكَشِفُ.

ثم تجئ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ.

ثُمَّ تَنْكَشِفُ فَمَنْ سَرَّهُ مِنْكُمْ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَأَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَوْتَتُهُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ ".

قَالَ فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي مِنْ بَيْنِ النَّاس فَقُلْتُ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي.

قَالَ: فَقُلْتُ هَذَا ابْنُ عَمِّكَ - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ - يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالِنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَأَنْ نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [النساء: ٢٩] قَالَ فَجَمَعَ يَدَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ نَكَّسَ هُنَيْهَةً.

ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ الله وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَقَالَ فِيهِ أَيُّهَا النَّاس إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لهم وينذره مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ وَذَكَرَ تَمَامَهُ بِنَحْوِهِ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَرَوَاهُ مسلم أيضاً من حديث الشعبي عن


(١) تقدم تخريجه فليراجع في مكانه.
(٢) في نسخ البداية المطبوعة أن والصواب ابن من المسند.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>