للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكاك من كان مَعَهُ مِنْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَنْقَذَ كَثِيرًا مِنْهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أيَّام ثُمَّ عَادَ، ثُمَّ رَاحَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ دمشق ثم عا دوا من عنده فشلحوا عند باب شرقي وأخذ ثِيَابُهُمْ وَعَمَائِمُهُمْ وَرَجَعُوا فِي شَرِّ حَالَةٍ، ثُمَّ بَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَاخْتَفَى أَكْثَرُهُمْ وَتَغَيَّبُوا عَنْهُ، وَنُودِيَ بِالْجَامِعِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ثَالِثَ رَجَبٍ مِنْ جِهَةِ نَائِبِ الْقَلْعَةِ بِأَنَّ الْعَسَاكِرَ الْمِصْرِيَّةَ قَادِمَةٌ إِلَى الشَّامِ، وَفِي عَشِيَّةِ يَوْمِ السَّبْتِ رَحَلَ بُولَايُ وَأَصْحَابُهُ مِنَ التَّتَرِ وَانْشَمَرُوا عَنْ دِمَشْقَ وَقَدْ أَرَاحَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَسَارُوا مِنْ عَلَى عَقَبَةِ دُمَّرَ فَعَاثُوا فِي تِلْكَ النَّوَاحِي فَسَادًا، وَلَمْ يَأْتِ سَابِعُ الشَّهْرِ وَفِي حَوَاشِي الْبَلَدِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَقَدْ أَزَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَرَّهُمْ عَنِ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ، وَنَادَى قَبْجَقُ فِي النَّاسِ قَدْ أَمِنَتِ الطُّرُقَاتُ وَلَمْ يَبْقَ بِالشَّامِ مِنَ التَّتَرِ أَحَدٌ، وَصَلَّى قَبْجَقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عاشر رجب بالمقصورة، ومعه جماعة عَلَيْهِمْ لَأْمَةُ الْحَرْبِ مِنَ السُّيُوفِ وَالْقِسِيِّ وَالتَّرَاكِيشِ فيها النشاب، وأمنت البلاد، وخرج الناس للفرجة في غيض السَّفَرْجَلِ عَلَى عَادَتِهِمْ فَعَاثَتْ عَلَيْهِمْ طَائِفَةٌ مِنَ التتر، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَجَعُوا إِلَى الْبَلَدِ هَارِبِينَ مُسْرِعِينَ، وَنَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْقَى نفسه في النهر، وإنما كانت هذه االطائفة مُجْتَازِينَ لَيْسَ لَهُمْ قَرَارٌ، وَتَقَلَّقَ قَبْجَقُ مِنَ الْبَلَدِ ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا فِي جَمَاعَةٍ من رؤسائها وأعيانها منهم عز الدين ين القلانسي ليتلقوا الجيش المصري وذلك أن جيش مصر خرج إِلَى الشَّامِ فِي تَاسِعِ رَجَبٍ وَجَاءَتِ الْبَرِيدِيَّةُ بذلك، وَبَقِيَ الْبَلَدُ لَيْسَ بِهِ أَحَدٌ، وَنَادَى أَرْجُوَاشُ في البلد احْفَظُوا الْأَسْوَارَ وَأَخْرِجُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنَ الْأَسْلِحَةِ وَلَا تُهْمِلُوا الْأَسْوَارَ وَالْأَبْوَابَ، وَلَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ إِلَّا عَلَى السُّورِ، وَمَنْ بَاتَ فِي دَارِهِ شُنِقَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى الْأَسْوَارِ لِحِفْظِ البلاد، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يدور كل ليلة على الْأَسْوَارِ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى الصَّبْرِ وَالْقِتَالِ وَيَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ

الْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ.

وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سابع عشر رجب أعيدت الخطبة بدمشق لصاحب مصر فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَكَانَ يُخْطَبُ لِقَازَانَ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الشَّامِ مِائَةَ يَوْمٍ سَوَاءً.

وَفِي بُكْرَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورِ دَارَ الشَّيْخُ تقي الدين بن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْخَمَّارَاتِ وَالْحَانَاتِ فكسروا آنية الخمور وشققوا الظُّرُوفَ (١) وَأَرَاقُوا الْخُمُورَ، وَعَزَّرُوا جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْحَانَاتِ الْمُتَّخَذَةِ لِهَذِهِ الْفَوَاحِشِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَنُودِيَ يَوْمَ السَّبْتِ ثَامِنَ عَشَرَ رَجَبٍ بِأَنْ تُزَيَّنَ الْبَلَدُ لِقُدُومِ الْعَسَاكِرِ الْمِصْرِيَّةِ، وَفُتِحَ بَابُ الْفَرَجِ مُضَافًا إِلَى بَابِ النَّصْرِ يَوْمَ الْأَحَدِ تَاسِعَ عَشَرَ رَجَبٍ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ وَانْفَرَجُوا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَدْخُلُونَ إِلَّا مِنْ بَابِ النَّصْرِ،، وَقَدِمَ الْجَيْشُ الشَّامِيُّ صُحْبَةَ نَائِبِ دِمَشْقَ جمال الدين آقوش الأفرم يَوْمَ السَّبْتِ عَاشِرِ شَعْبَانَ، وَثَانِي يَوْمٍ دَخَلَ بَقِيَّةُ الْعَسَاكِرِ وَفِيهِمُ الْأَمِيرَانِ شَمْسُ الدِّينِ قَرَاسُنْقُرُ الْمَنْصُورِيُّ وَسَيْفُ الدِّينِ قَطْلَبَكُّ فِي تَجَمُّلٍ، وَفِي هذا اليوم فتح باب العريش، وفيه درّس القاضي جلال الدين القزويني بالأمينية عوضاً عن أخيه قاضي


(١) الظروف، جمع ظرف، وهو الوعاء وكل ما يستقر فيه غيره (محيط المحيط) .

<<  <  ج: ص:  >  >>