للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سار إلى نابلس فخاف الناصر داود بن المعظم من عمه الكامل، فكتب إلى عمه الأشرف فقدم عليه جريدة، وكتب إلى أخيه الكامل يستعطفه ويكفه عن ابن أخيه، فأجابه الكامل: بأني إنما جئت لحفظ بيت المقدس وصونه عن الفرنج الذين يريدون أخذه، وحاشى لله أن أحاصر أخي أو ابن أخي، وبعد أن جئت أنت إلى الشام فأنت تحفظها وأنا راجع إلى الديار المصرية، فخشي الأشرف وأهل دمشق إن رجع الكامل أن تمتد أطماع الفرنج إلى بيت المقدس، فركب الأشرف إلى أخيه الكامل فثبطه عن الرجوع، وأقاما جميعا هنالك جزاهما الله خيرا، يحوطان جناب القدس عن الفرنج لعنهم الله. واجتمع إلى الملك جماعة من ملوكهم، كأخيه الأشرف وأخيهما الشهاب غازي بن العادل وأخيهم الصالح إسماعيل بن العادل، وصاحب حمص أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين، وغيرهم، واتفقوا كلهم على نزع الناصر داود عن ملك دمشق وتسليمها إلى الأشرف موسى. وفيها عزل الصدر التكريتي عن حسبة دمشق ومشيخة الشيوخ وولي فيها اثنان غيره.

قال أبو شامة: وفي أوائل رجب توفي الشيخ الصالح الفقيه أبو الحسن علي ابن المراكشي المقيم بالمدرسة المالكية، ودفن بالمقبرة التي وقفها الزين خليل بن زويزان قبلي مقابر الصوفية، وكان أول من دفن بها رحمه الله تعالى.

[ثم دخلت سنة ست وعشرين وستمائة]

استهلت هذه السنة وملوك بني أيوب مفترقون مختلفون، قد صاروا أحزابا وفرقا، وقد اجتمع ملوكهم إلى الكامل محمد صاحب مصر، وهو مقيم بنواحي القدس الشريف، فقويت نفوس الفرنج (١) لعنهم الله بكثرتهم بمن وفد إليهم من البحر، وبموت المعظم واختلاف من بعده من الملوك، فطلبوا من المسلمين أن يردوا إليهم ما كان الناصر صلاح الدين أخذ منهم، فوقعت المصالحة بينهم وبين الملوك أن يردوا لهم بيت المقدس وحده، وتبقى بأيديهم بقية البلاد (٢)،


(١) قال رنسيمان صاحب تاريخ الحروب الصليبية ٣/ ٣٣٠ إن وراء قوة الفرنج أسبابا هامة ذكرها قال:
١ - قوة فردريك وتفوقه في المساومة بالمفاوضات الجارية مع الكامل.
٢ - حصار الكامل لدمشق لم يلحق الضرر بالناصر داود ابن أخيه.
٣ - اخذ جلال الدين خوارزمشاه يوجه اهتمامه من جديد صوب الغرب.
٤ - أتم فردريك عمارة استحكامات يافا.
(٢) ذكر رنسيمان بنود معاهدة المصلح الموقعة في ١٨ فبراير سنة ١٢٢٩ مع ممثلي الكامل، ٣/ ٣٣٠:
- تحصل مملكة بيت المقدس على مدينة القدس ذاتها وبيت لحم.
- مع شريط من الأرض يخترق لد وينتهي عند يافا على البحر فضلا عن الناصرة وغرب الجليل مع حصني مونتفورت وتبنين.
- يظل بأيدي المسلمين من بيت المقدس، منطقة المعبد بما تحتوي عليه من قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
- للمسلمين الحق في التردد إليها وحرية العبادة.
- اطلاق سراح الاسرى عند كل من الجانبين.
- أجلها عشر سنين (مسيحية) الموافقة عشر سنين وخمسة شهور (هجرية) وانظر تاريخ أبي الفداء ٣/ ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>