للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأكرمهم وأحسن إليهم وعظم جوائزهم، ثم انصرفوا راجعين إلى المدينة، إلا المنذر بن الزبير فإنه سار إلى صاحبه عبيد الله بن زياد بالبصرة، وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف نظير أصحابه من أولئك الوفد، ولما رجع وفد المدينة إليها أظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر وتعزف عنده القينات بالمعازف (١)، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه، فتابعهم الناس على خلعه، وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على الموت، وأنكر عليهم عبد الله بن عمر بن الخطاب (٢)، ورجع المنذر بن الزبير من البصرة إلى المدينة فوافق أولئك على خلع يزيد، وأخبرهم عنه أنه يشرب الخمر ويسكر حتى ترك الصلاة، وعابه أكثر مما عابه أولئك. فلما بلغ ذلك يزيد قال: اللهم إني آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت، فأدركه وانتقم منه. ثم إن يزيد بعث إلى أهل المدينة النعمان بن بشير ينهاهم عما صنعوا ويحذرهم غب ذلك ويأمرهم بالرجوع إلى السمع والطاعة ولزوم الجماعة، فسار إليهم ففعل ما أمره يزيد وخوفهم الفتنة وقال لهم: إن الفتنة وخيمة، وقال: لا طاقة لكم بأهل الشام، فقال له عبد الله بن مطيع: ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا؟ فقال له النعمان: أما والله لكأني وقد تركت تلك الأمور التي تدعو إليها، وقامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف، ودارت رحا الموت بين الفريقين، وكأني بك قد ضربت جنب بغلتك إلي (٣) وخلفت هؤلاء المساكين - يعني الأنصار - يقتلون في سككهم ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم. فعصاه الناس فلم يسمعوا منه فانصرف وكان الامر والله كما قال سواء. قال ابن جرير: وحج بالناس في هذه السنة الوليد بن عتبة كذا قال وفيه نظر، فإنه إن كان في وفد أهل المدينة وقد رجعوا من عند يزيد فإنما وفد عثمان بن محمد بن أبي سفيان، وإن كان قد حج بالناس فيها الوليد فما قدم وفد المدينة إلى يزيد إلا في أول سنة ثلاث وستين وهو أشبه والله أعلم.

[وممن توفي في هذه السنة من الأعيان]

بريدة بن الحصيب الأسلمي كان إسلامه حين اجتاز به رسول الله وهو مهاجر إلى المدينة عند كراع الغميم، فلما كان هناك تلقاه بريدة في ثمانين نفسا من أهله فأسلموا، وصلى بهم صلاة العشاء وعلمه ليلتئذ صدرا من سورة مريم، ثم قدم على رسول الله المدينة بعد أحد فشهد معه المشاهد كلها وأقام بالمدينة، فلما فتحت البصرة نزلها واختط بها دارا، ثم خرج إلى غزو خراسان فمات بمرو في خلافة يزيد بن معاوية. ذكر موته غير واحد في هذه السنة.


(١) في الطبري وابن الأثير: ويعزف بالصنابير (ويضرب: في ابن الأثير) ويضرب عنده القيان (في ابن الأثير: ويعزف) ويلعب بالكلاب ويسمر عنده الحراب (اللصوص) والفتيان.
(٢) لم يرد ذكره لا في الطبري ولا في ابن الأثير.
(٣) في الطبري وابن الأثير: إلى مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>