للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدهر، وكان يعاتب فيقال: لو أيقظت بعض الخدم؟ فيقول: لا! الليل لهم يستريحون فيه. وكان إذا اغتسل لا يرفع المئزر عنه، وهو في بيت مغلق عليه، ولا يرفع صلبه جيدا من شدة حيائه .

[شئ من خطبه]

قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه أن عثمان لما بويع خرج إلى الناس فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس أول كل مركب صعب، وإن بعد اليوم أياما، وإن أعش تأتكم الخطب على وجهها، وما كنا خطباء وسيعلمنا الله (١). وقال الحسن: خطب عثمان فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! اتقوا الله فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، واكتسب من نور الله نورا لظلمة القبر، وليخش عبد أن يحشره الله أعمى، وقد كان بصيرا، وقد يلقى الحكيم جوامع الكلم، والأصم ينادي من مكان بعيد، واعلموا أن من كان الله له لم يخف شيئا، ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده؟. وقال مجاهد: خطب عثمان فقال: ابن آدم! اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطى إلى غيرك منذ أنت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك، وقصدك، فخذ حذرك، واستعد له، ولا تغفل فإنه لا يغفل عنك، واعلم ابن آدم إن غفلت عن نفسك ولم تستعد لها لم يستعد لها غيرك، ولابد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك والسلام. وقال سيف بن عمر عن بدر بن عثمان عن عمه. قال: آخر خطبة خطبها عثمان في جماعة " إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله، اتقوا الله فإن تقواه جنة من بأسه، ووسيلة عنده، واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا • (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) … إلى آخر الآيتين (٢).

[فصل]

قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، ثنا محمد بن قيس الأسدي، عن موسى بن طلحة.


(١) طبقات ابن سعد ٣/ ٦٢. العقد الفريد ٢/ ١٣٣ وذكر الطبري في تاريخه خطبة أخرى لما بايعه أهل الشورى.
كانت مثالا في الزهد واحتقار الدنيا وعدم الركون إليها (الطبري ٥/ ٤٣).
(٢) سورة آل عمران الآية ١٠٣، والخطبة في تاريخ الطبري ٥/ ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>