للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذهنه بعد ذلك، ولد سنة أربع وعشرين ومائة، وذلك غريب جدا. وذكروا أنه كان يدخله من ملكه في كل سنة آلاف دينار. وقال آخرون: كان يدخله من الغلة في كل سنة ثمانون ألف دينار، وما وجبت عليه زكاة، وكان إماما في الفقه والحديث والعربية. قال الشافعي: كان الليث أفقه من مالك إلا أنه ضيعه أصحابه. وبعث إليه مالك يستهديه شيئا من العصفر لأجل جهاز ابنته، فبعث إليه بثلاثين حملا، فاستعمل منه مالك حاجته وباع منه بخمسمائة دينار، وبقيت عنده منه بقية. وحج مرة فأهدى له مالك طبقا فيه رطب فرد الطبق وفيه ألف دينار. وكان يهب للرجل من أصحابه من العلماء الألف دينار وما يقارب ذلك. وكان يخرج إلى الإسكندرية في البحر هو وأصحابه في مركب ومطبخه في مركب. ومناقبه كثيرة جدا. وحكى ابن خلكان أنه سمع قائلا يقول يوم مات الليث:

ذهب الليث فلا ليث لكم … ومضى العلم غريبا وقبر

فالتفتوا فلم يروا أحدا. وفيها توفي:

[المنذر بن عبد الله بن المنذر]

القرشي، عرض عليه المهدي أن يلي القضاء ويعطيه من بيت المال مائة ألف درهم، فقال: إني عاهدت الله أن لا ألي شيئا، وأعيذ أمير المؤمنين بالله أن أخيس بعهدي. فقال له المهدي: الله؟ قال: الله. قال: انطلق فقد أعفيتك.

[ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائة]

فيها كان ظهور يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ببلاد الديلم، واتبعه خلق كثير وجم غفير، وقويت شوكته، وارتحل إليه الناس من الكور والأمصار، فانزعج لذلك الرشيد وقلق من أمره، فندب إليه الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك في خمسين ألفا، وولاه كور الجبل والري وجرجان وطبرستان وقومس وغير ذلك. فسار الفضل بن يحيى إلى تلك الناحية في أبهة عظيمة، وكتب الرشيد تلحقه مع البرد في كل منزلة، وأنواع التحف والبر، وكاتب الرشيد صاحب الديلم ووعده بألف ألف درهم إن هو سهل خروج يحيى إليهم، وكتب الفضل إلى يحيى بن عبد الله يعده ويمنيه ويؤمله ويرجيه، وأنه إن خرج إليه أن يقيم له العذر عند الرشيد. فامتنع يحيى أن يخرج إليهم حتى يكتب له الرشيد كتاب أمان بيده. فكتب الفضل إلى الرشيد بذلك ففرح الرشيد ووقع منه موقعا عظيما. وكتب الأمان بيده وأشهد عليه القضاة والفقهاء ومشيخة بني هاشم، منهم عبد الصمد بن علي (١)، وبعث الأمان وأرسل معه جوائز وتحفا كثيرة إليهم، ليدفعوا ذلك جميعه إليه.


(١) وذكر الطبري منهم: والعباس بن محمد ومحمد بن إبراهيم وموسى بن عيسى ١٠/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>