للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجندل الصخر، فلو أن شيئا أشد قوة من الصخر لذكره هذا الشاعر المبالغ، قال الله تعالى:(ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة) … الآية [البقرة: ٧٤] وأما قوله تعالى: … (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم) … الآية [الاسراء: ٥٠] فذلك لمعنى آخر في التفسير، وحاصله أن الحديد أشد امتناعا في الساعة الراهنة من الحجر ما لم يعالج، فإذا عولج انفعل الحديد ولا ينفعل الحجر والله أعلم … وقال أبو نعيم: فإن قيل: فقد لين الله لداود الحديد حتى سرد منه الدروع السوابغ، قيل: لينت لمحمد الحجارة وصم الصخور، فعادت له غارا استتر به من المشركين، يوم أحد، مال إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم فلين الجبل حتى أدخل رأسه فيه، وهذا أعجب لان الحديد تلينه النار، ولم نر الناس تلين الحجر، قال: وذلك بعد ظاهر باق يراه الناس. قال: وكذلك في بعض شعاب مكة حجر من جبل في صلايه (١) إليه فلان الحجر حتى أدرأ فيه بذراعيه وساعديه، وذلك مشهور يقصده الحجاج ويرونه. وعادت الصخرة ليلة أسري به كهيئة العجين، فربط بها دابته - البراق - وموضعه يمسونه الناس إلى يومنا هذا. وهذا الذي أشار إليه، من يوم أحد وبعض شعاب مكة غريب جدا، ولعله قد أسنده هو فيما سلف، وليس ذلك بمعروف في السيرة المشهورة. وأما ربط الدابة في الحجر فصحيح، والذي ربطها جبريل كما هو في صحيح مسلم … وأما قوله: وأوتيت الحكمة وفصل الخطاب، فقد كانت الحكمة التي أوتيها محمد والشرعة التي شرعت له، أكمل من كل حكمة وشرعة كانت لمن قبله من الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، فإن الله جمع له محاسن من كان قبله، وفضله، وأكمله [وآتاه] ما لم يؤت أحدا قبله، وقد قال : أوتيت جوامع الكلم، واختصرت لي الحكمة اختصارا … ولا شك أن العرب أفصح الأمم، وكان النبي أفصحهم نطقا، وأجمع لكل خلق جميل مطلقا *

[القول فيما أوتي سليمان بن داود ]

قال الله تعالى:(فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب … والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد … هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب … وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب)[ص: ٣٦ - ٤٠] وقال تعالى: … (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شئ عالمين … ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين)[الأنبياء: ٨١] وقال تعالى: … (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير … يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور)[سبأ: ١٢] وقد بسطنا ذلك في قصته، وفي التفسير أيضا، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وصححه الترمذي وابن حبان

<<  <  ج: ص:  >  >>