للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صنبرا زيادة عن من قتل بغير ذلك.

وَقَدْ قَالَ لِلْمَنْصُورِ وَهُوَ يُعَاتِبُهُ عَلَى مَا كَانَ يَصْنَعُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُقَالُ لي هَذَا بَعْدَ بَلَائِي وَمَا كَانَ مِنِّي.

فَقَالَ له: يابن الخبيثة، لو كانت أمة مكانك لأجزأت ناحيتها، إنما عملت ما عملت بدولتنا وبريحنا، لو كان ذلك إليك لما وصلت إلى فتيل.

وَلَمَّا قَتَلَهُ الْمَنْصُورُ لُفَّ فِي كِسَاءٍ وَهُوَ مُقَطَّعٌ إِرَبًا إِرَبًا، فَدَخَلَ عِيسَى بْنُ مُوسَى فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْنَ أَبُو مُسْلِمٍ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ

هَاهُنَا آنِفًا.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَرَفْتَ طَاعَتَهُ وَنَصِيحَتَهُ وَرَأْيَ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ فِيهِ.

فَقَالَ لَهُ: يَا أَنْوَكُ (١) وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ عَدُوًّا أَعْدَى لَكَ مِنْهُ، هَا هُوَ ذَاكَ فِي الْبِسَاطِ.

فَقَالَ: إِنَّا لَلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: خَلَعَ اللَّهُ قَلْبَكَ! وَهَلْ كَانَ لكم مكان أَوْ سُلْطَانٌ أَوْ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ مَعَ أبي مسلم؟ ثم استدعى المنصور برؤوس الْأُمَرَاءِ فَجَعَلَ يَسْتَشِيرُهُمْ فِي قَتْلِ أَبِي مُسْلِمٍ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِقَتْلِهِ، فَكُلُّهُمْ يُشِيرُ بِقَتْلِهِ، ومنهم من كان إذا تكلم أسر كلامه خوفاً من أبي مسلم لئلا ينقل إليه، فلما أطلعهم عن قتله أفزعهم ذَلِكَ وَأَظْهَرُوا سُرُورًا كَثِيرًا.

ثُمَّ خَطَبَ الْمَنْصُورُ الناس بذلك كما تقدم.

ثم كتب المنصور إِلَى نَائِبِ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ (٢) بكتاب على لسان أَبِي مُسْلِمٍ أنَّ يَقْدُمَ بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ من الحواصل والذخائر والأموال والجواهر، وختم الكتاب بخاتم أبي مسلم بكماله، مطبوعاً بكل فص الخاتم، فلما رآه الخازن اسْتَرَابَ فِي الْأَمْرِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ تقدم إلى خازنه أنه إذا جاءك كتابي فإن رأيته مختوماً بنصف الفص فامض لما فيه، فإني إنما أختم بنصف فصه على كتبي، وإذا جاءك الكتاب مختوماً عليه بكماله فلا تقبل ولا تمض ما فيه.

فامتنع عند ذلك خازنه أن يقبل ما بعث به المنصور، فأرسل المنصور بعد ذلك إليه من أخذ جميع ذلك وقتل ذلك الرجل الخازن (٣) ، وكتب المنصور إلى أبي داود إبراهيم بن خالد بِإِمْرَةِ خُرَاسَانَ كَمَا وَعَدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عِوَضًا عن أبي مسلم.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ سِنْبَاذُ يَطْلُبُ بِدَمِ أبي مسلم، وَقَدْ كَانَ سِنْبَاذُ هَذَا مَجُوسِيًّا تَغَلَّبَ عَلَى قومس وأصبهان، ويسمى بِفَيْرُوزَ أَصْبَهْبَذَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ جَيْشًا هُمْ عَشَرَةُ آلَافِ فَارِسٍ عَلَيْهِمْ جَهْوَرُ (٤) بْنُ مَرَّارٍ الْعِجْلِيُّ - فَالْتَقَوْا بَيْنَ هَمَذَانَ وَالرَّيِّ بالمفازة، فَهَزَمَ جَهْوَرٌ لِسِنْبَاذَ وَقَتَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ سِتِّينَ أَلْفًا وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، وَقُتِلَ سِنْبَاذُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتْ أَيَّامُهُ سَبْعِينَ يَوْمًا.

وَأُخِذَ مَا كَانَ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ أَبِي مُسْلِمٍ الَّتِي كَانَتْ بِالرَّيِّ.

وَخَرَجَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أيضاً رجل يقال له ملبَّد [بن حرمة الشيباني] في ألف من الخوارج بالجزيرة فجهز إليه المنصور جيوشاً متعددةً كثيفةً كلها تنفر منه


(١) الانوك: الاحمق.
(٢) وهو أبو نصر مالك بن الهيثم.
(٣) في الطبري ٩ / ١٦٨ وابن الاثير ٥ / ٤٧٨ قدم أبو نصر على المنصور بعد أن أخلى سبيله زهير بن التركي فاعتذر من أبي جعفر فعفا عنه.
وزاد في الامامة والسياسة ٢ / ١٦٤: وولاه الموصل.
(٤) في ابن الاثير ٥ / ٤٨١: جمهور.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>