للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبض من شاور ستين ألف دينار، وخرج أسد الدين وجيشه فساروا إلى الشام في ذي الحجة.

[وقعة حارم]

فتحت في رمضان من هذه السنة، وذلك أن نور الدين استغاث بعساكر المسلمين، فجاؤوه من كل فج ليأخذ ثأره من الفرنج (١)، فالتقى معهم على حارم فكسرهم كسرة فظيعة، وأسر البرنس بيمند صاحب أنطاكية، والقومص صاحب طرابلس، والدوك صاحب الروم، وابن جوسلين (٢)، وقتل منهم عشرة آلاف، وقيل عشرين ألفا. وفي ذي الحجة منها فتح نور الدين مدينة بانياس، وقيل إنه إنما فتحها في سنة ستين فالله أعلم. وكان معه أخوه نصر (٣) الدين أمير أميران، فأصابه سهم في إحدى عينيه فأذهبها، فقال له الملك نور الدين: لو نظرت لما أعد الله لك من الاجر في الآخرة لأحببت أن تذهب الأخرى. وقال لابن معين الدين: إنه اليوم بردت جلدة والدك من نار جهنم، لأنه كان سلمها للفرنج، فصالحه عن دمشق. وفي شهر ذي الحجة احترق قصر جيرون حريقا عظيما، فحضر في تلك الليلة الامراء منهم أسد الدين شيركوه، بعد رجوعه من مصر، وسعى سعيا عظيما في إطفاء هذه النار وصون حوزة الجامع منها.

وممن توفي فيها من الأعيان …

[جمال الدين]

وزير صاحب الموصل، قطب الدين مودود بن زنكي، كان كثير المعروف، واسمه محمد بن علي بن أبي منصور، أبو جعفر الأصبهاني، الملقب بالجمال، كان كثير الصدقة والبر، وقد أثر آثارا حسنة بمكة والمدينة، من ذلك أنه ساق عينا إلى عرفات، وعمل هناك مصانع، وبنى مسجد الخيف ودرجه، وعملها بالرخام، وبنى على المدينة النبوية سورا، وبنى جسرا على دجلة عند جزيرة ابن عمر بالحجر المنحوت، والحديد والرصاص، وبنى الربط الكثيرة، وكان يتصدق في كل يوم في بابه بمائة دينار، ويفتدي من الأسارى في كل سنة بعشرة آلاف دينا، وكان لا تزال صدقاته وافدة إلى الفقهاء والقراء، حيث كانوا من بغداد وغيرها من البلاد، وقد حبس في سنة ثمان وخمسين، فذكر ابن الساعي في تاريخه عن شخص كان معه في السجن أنه نزل إليه طائر أبيض قبل موته فلم يزل عنده وهو يذكر الله حتى توفي في شعبان من هذه السنة، ثم طار عنه ودفن في رباط بنابيه لنفسه بالموصل، وقد


(١) يعني بعد هزيمته في وقعة البقيعة، تحت حصن الأكراد.
(٢) من الكامل، وفي الأصل جوسليق، وفي ابن خلدون: ابن جوسكين.
(٣) في الكامل ١١/ ٣٠٤: نصرة; وفي ابن خلدون ٥/ ٢٤٧: نصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>