المبعث، وفي سنة إحدى وأربعين ومائتين.
وفيها شرع بعمارة سُورِ قَلْعَةِ دِمَشْقَ وَابْتُدِئَ بِبُرْجِ الزَّاوِيَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْقِبْلِيَّةِ الْمُجَاوِرِ لِبَابِ النَّصْرِ.
وَفِيهَا أَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الناصر الخلع وسراويلات الفتوة إلى الملك العادل وبينه.
وفيها بعث العادل ولده موسى الأشرف لِمُحَاصَرَةِ مَارِدِينَ، وَسَاعَدَهُ جَيْشُ سَنْجَارَ وَالْمَوْصِلِ ثُمَّ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى يَدَيِ الظَّاهِرِ، عَلَى أَنْ يحمل صاحب ماردين فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَأَنْ تَكُونَ السِّكَّةُ وَالْخُطْبَةُ لِلْعَادِلِ، وَأَنَّهُ مَتَى طَلَبَهُ بِجَيْشِهِ يَحْضُرُ إِلَيْهِ.
وَفِيهَا كَمَلَ بناء رباط الموريانية، وَوَلِيَهُ الشَّيخ شِهَابُ الدِّين عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشهرزوري، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، وَرُتِّبَ لَهُمْ مِنَ المعلوم والجراية ما ينبغي لمثلهم.
وَفِيهَا احْتَجَرَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ وَإِخْوَتِهِ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الرُّهَا خَوْفًا من آفاتهم بِمِصْرَ.
وَفِيهَا اسْتَحْوَذَتِ الْكُرْجُ عَلَى مَدِينَةِ دَوِينَ فَقَتَلُوا أَهْلَهَا وَنَهَبُوهَا، وَهِيَ مِنْ بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ، لِاشْتِغَالِ مَلِكِهَا بِالْفِسْقِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ قَبَّحَهُ اللَّهُ، فتحكمت الكفرة في رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ غُلٌّ فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ: الْمَلِكُ غِيَاثُ الدين الغوري أخو شهاب الدين فقام بالملك بَعْدَهُ وَلَدُهُ مَحْمُودٌ، وَتَلَقَّبَ بِلَقَبِ أَبِيهِ، وَكَانَ غِيَاثُ الدِّينِ عَاقِلًا حَازِمًا شُجَاعًا، لَمْ تُكْسَرْ له راية مع كثرة حروبه، وكان شافعي المذهب، ابتنى مدرسة هائلة للشافعية، وكانت سيرته حسنة في غاية الجودة.
وفيها توفي من الأعيان: الأمير علم الدين أبو منصور سليمان بن شيروه بن جندر أخو الملك العادل لأبيه، في تاسع عشر من المحرم، ودفن بداره التي خطها مدرسة في داخل باب الفراديس في محلة الافتراس، ووقف عليها الحمام بِكَمَالِهَا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ.
الْقَاضِي الضِّيَاءُ الشَّهْرُزُورِيُّ أَبُو الْفَضَائِلِ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله بن القاسم الشهرزوري الموصلي، قاضي قضاة بغداد، وهو ابن أخي قاضي قضاة دمشق كَمَالِ الدَّيْنِ الشَّهْرُزُورِيِّ، أَيَّامَ نُورِ الدِّينِ.
وَلَمَّا توفي سنة ست وسبعين في أيام صلاح الدين أَوْصَى لِوَلَدِ أَخِيهِ هَذَا بِالْقَضَاءِ فَوَلِيَهُ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهُ بِابْنِ أَبِي عَصْرُونَ، وَعُوِّضَ بِالسِّفَارَةِ إِلَى الْمُلُوكِ، ثُمَّ تَوَلَّى قَضَاءَ بَلْدَةِ الْمَوْصِلِ، ثُمَّ اسْتُدْعِيَ إِلَى بَغْدَادَ فَوَلِيَهَا سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أشهر، ثم استقال الخليفة فلم يقله لحظوته عنده، فاستشفع في زوجته ست الملوك على أم الخليفة، وكان لَهَا مَكَانَةٌ عِنْدَهَا، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ فَصَارَ إِلَى قَضَاءِ حَمَاةَ لِمَحَبَّتِهِ إِيَّاهَا،
وَكَانَ يُعَابُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ لَدَيْهِ فَضَائِلُ وَلَهُ أَشْعَارٌ رائقة، توفي في حماه في نصف رجب منها.