للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُعَامَلَاتِ وَالرِّيَاضَاتِ، ثُمَّ أَقَامَ آخِرَ عُمْرِهِ بِدِمَشْقَ حَتَّى مَاتَ بِهَا وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَشْيَاءُ حَسَنَةٌ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: اجْتَزْتُ مَرَّةً فِي السِّيَاحَةِ بِبَلْدَةٍ فَطَالَبَتْنِي نَفْسِي بِدُخُولِهَا فَآلَيْتُ أَنْ لَا أَسْتَطْعِمَ مِنْهَا بِطَعَامٍ، وَدَخَلْتُهَا فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ غَسَّالٍ فَنَظَرَ إِلَيَّ شَزْرًا فَخِفْتُ مِنْهُ وَخَرَجْتُ مِنَ الْبَلَدِ هَارِبًا، فَلَحِقَنِي وَمَعَهُ طَعَامٌ فَقَالَ: كُلْ فَقَدْ خَرَجْتَ مِنَ الْبَلَدِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَأَنْتَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَتَغْسِلُ الثِّيَابَ فِي الْأَسْوَاقِ؟ فَقَالَ: لَا تَرْفَعْ رأسك ولا تنظر إلى شئ من عملك، وكن

عبدا لله فإن اسْتَعْمَلَكَ فِي الْحُشِّ فَارْضَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ رحمه الله.

ولو قيل لِي مُتْ قُلْتُ سَمْعًا وَطَاعَةً * وَقُلْتُ لِدَاعِي الْمَوْتِ أَهْلًا وَمَرْحَبًا وَقَالَ اجْتَزْتُ مَرَّةً فِي سِيَاحَتِي بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ فَقَالَ لِي: يَا مُسْلِمُ مَا أَقْرَبَ الطُّرُقِ عِنْدَكُمْ إِلَى اللَّهِ عزوجل؟ قُلْتُ: مُخَالَفَةُ النَّفْسِ، قَالَ فَرَدَّ رَأْسَهُ إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَلَمَّا كُنْتُ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْحَجِّ إِذَا رَجُلٌ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَقُلْتُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَنَا الرَّاهِبُ، قُلْتُ: بِمَ وَصَلْتَ إلى ها هنا؟ قال بالذي قلت.

وفي رواية عَرَضْتُ الْإِسْلَامَ عَلَى نَفْسِي فَأَبَتْ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ حق فأسلمت وخالفتها، فأفلح وأنجح.

وقال بينا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ بِجَبَلِ لُبْنَانَ إِذَا حَرَامِيَّةُ الْفِرِنْجِ فَأَخَذُونِي فَقَيَّدُونِي وَشَدُّوا وِثَاقِي فَكُنْتُ عِنْدَهُمْ فِي أَضْيَقِ حَالٍ، فَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ شَرِبُوا وَنَامُوا، فَبَيْنَا أَنَا مَوْثُوقٌ إِذَا حَرَامِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ قد أقبلوا نحوهم فأنبهتهم فلجأوا إِلَى مَغَارَةٍ هُنَالِكَ فَسَلِمُوا مِنْ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: كَيْفَ فَعَلْتَ هَذَا وَقَدْ كَانَ خَلَاصُكَ عَلَى أَيْدِيهِمْ؟ فَقُلْتُ إِنَّكُمْ أَطْعَمْتُمُونِي فَكَانَ مِنْ حَقِّ الصُّحْبَةِ أَنْ لَا أَغُشَّكُمْ، فَعَرَضُوا عَلَيَّ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَأَبَيْتُ وَأَطْلَقُونِي.

وَحَكَى السبط قال: زرته مرة بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ سَمَكًا مَالِحًا، فَلَمَّا جَلَسْتُ عِنْدَهُ أَخَذَنِي عَطَشٌ جَدًّا وَإِلَى جَانِبِهِ إِبْرِيقٌ فِيهِ مَاءٌ بَارِدٌ فَجَعَلْتُ أَسْتَحْيِي مِنْهُ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الْإِبْرِيقِ وَقَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَنَاوَلَنِي وَقَالَ خُذْ، كَمْ تُكَاسِرُ، فَشَرِبْتُ.

وَذَكَرَ أنَّه لَمَّا ارْتَحَلَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كان سورها بعد قائماً جديداً عَلَى عِمَارَةِ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ قَبْلَ أَنْ يُخَرِّبَهُ الْمُعَظَّمُ، فَوَقَفَ لِأَصْحَابِهِ يُوَدِّعُهُمْ وَنَظَرَ إِلَى السُّورِ، وَقَالَ: كَأَنِّي بِالْمَعَاوِلِ وَهِيَ تَعْمَلُ فِي هَذَا السُّورِ عَمَّا قَرِيبٍ، فَقِيلَ لَهُ مَعَاوِلُ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْفِرِنْجِ؟ فَقَالَ بَلْ مَعَاوِلُ الْمُسْلِمِينَ، فكان كَمَا قَالَ.

وَقَدْ ذُكِرَتْ لَهُ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ حَسَنَةٌ، وَيُقَالُ إِنَّ أَصْلَهُ أَرْمَنِيٌّ وَإِنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْيُونِينِيِّ، وَقِيلَ بَلْ أَصْلُهُ رُومِيٌّ مِنْ قُونِيَةَ، وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْيُونِينِيِّ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ كَبَرَانِسِ الرُّهْبَانِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقَدْ كَانَتْ أُمُّهُ دَايَةُ امْرَأَةِ الْخَلِيفَةِ، وَقَدْ جَرَتْ لَهُ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ فَسَلَّمَهُ اللَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَعَرَفَهُ الْخَلِيفَةُ فَأَطْلَقَهُ.

ثُمَّ دخلت سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فيها خرب الملك الأشرف بْنُ الْعَادِلِ خَانَ الزِّنْجَارِيِّ الَّذِي كَانَ بِالْعُقَيْبَةِ فِيهِ خَوَاطِئُ وَخُمُورٌ

وَمُنْكَرَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَهَدَمَهُ وَأَمَرَ بِعِمَارَةِ جَامِعٍ مَكَانَهُ سُمِّيَ جَامِعَ التَّوْبَةِ، تَقَبَّلَ الله تعالى منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>