الْقُرْآنِ وَلَا بِحِسَابٍ وَلَا بِفَرِيضَةٍ مِنْهُ، وَلَا أعلم فيما مضى ولا أثقب رَأْيًا فِيمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ كَانَ يَجْلِسُ يَوْمًا مَا يَذْكُرُ فِيهِ إِلَّا الْفِقْهَ، ويوماً ما يذكر فيه إلا التأويل، ويوماً ما يذكر فيه إلا الْمَغَازِيَ، وَيَوْمًا الشِّعْرَ، وَيَوْمًا أَيَّامَ الْعَرَبِ، وَمَا رَأَيْتُ عَالِمًا قَطُّ جَلَسَ إِلَيْهِ إِلَّا خَضَعَ له، ولا وجدت سائلاً سَأَلَهُ إِلَّا وَجَدَ عِنْدَهُ عِلْمًا.
قَالَ: وَرُبَّمَا حَفِظْتُ الْقَصِيدَةَ مِنْ فِيهِ يَنْشِدُهَا ثَلَاثِينَ بَيْتًا.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ قُطُّ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا رَأَيْتُ مَجْلِسًا أَكْرَمَ مِنْ مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَكْثَرَ فِقْهًا، وَلَا أَعْظَمَ هَيْبَةً، أَصْحَابُ الْقُرْآنِ يَسْأَلُونَهُ، وَأَصْحَابُ الْعَرَبِيَّةِ
يَسْأَلُونَهُ، وَأَصْحَابُ الشِّعْرِ عنه يسألونه، فكلهم يصدر في وادٍ أوسع.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: كَانَ ابن عبَّاس قد يسبق على النَّاس في العلم كما تسبق النَّخْلَةُ السَّحُوقُ عَلَى الْوَدِيِّ الصِّغَارِ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لِمَ لَزِمْتَ هَذَا الْغُلَامَ؟ - يَعْنِي ابْنَ عبَّاس - وَتَرَكْتَ الْأَكَابِرَ مِنَ الصَّحَابَةِ؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنَ الصحابة إذا تماروا في شئ صَارُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ طَاوُسٌ أَيْضًا: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ، قَالَ وَمَا خَالَفَهُ أَحَدٌ قَطُّ فَتَرَكَهُ حَتَّى يُقَرِّرَهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَقَدْ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَإِنَّهُ لَحَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ - يَعْنِي ابْنَ عبَّاس - وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بن أبي شيبة وغيره: من أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَدَّهُمْ قَامَةً، وَأَعْظَمَهُمْ جَفْنَةً، وأوسعهم علماً.
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلساً أجمع لكل خير من مجلسه - يعني ابْنِ عبَّاس - الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَتَفْسِيرُ الْقُرْآنِ وَالْعَرَبِيَّةُ والشعر والطعام.
وقال مجاهد: ما رأيت أعرب لساناً من ابن عبَّاس، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: ثَنَا عفَّان بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التيمي - وهو ممن أرسله الحكم بن أديب - إلى الحسن سأله عن أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِالنَّاسِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يوم عرفه؟ قال: ابن عباس، وكان رجلاً مثجى - أَحْسَبُ فِي الْحَدِيثِ - كَثِيرَ الْعِلْمِ، وَكَانَ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَيُفَسِّرُهَا آيَةً آيَةً.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوُهُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ: رَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بَكْرِ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَنْ عَرَّفَ بِالْبَصْرَةِ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فَفَسَّرَهُمَا حَرْفًا حَرْفًا.
مثجى: قال ابن قتيبة مثجى من الثج وهو السيلان، قال تَعَالَى: * (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً) * [النبأ: ١٤] وَقِيلَ كَثِيرًا بِسُرْعَةٍ: وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ ابْنِ عبَّاس مَجْلِسًا لَوْ أَنَّ جَمِيعَ قُرَيْشٍ فَخَرَتْ بِهِ لَكَانَ لها به الفخر، لقد رأيت الناس اجتمعوا على بابه حَتَّى ضَاقَ بِهِمُ الطَّرِيقُ، فَمَا كَانَ أَحَدٌ يقدر أن يجئ ولا أن يَذْهَبَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَكَانِهِمْ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ لِي وَضَوْءًا، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَجَلَسَ
وَقَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ وَحُرُوفِهِ وَمَا أُرِيدَ مِنْهُ فَلْيَدْخُلْ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شئ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ عَنْهُ وَزَادَهُمْ