للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإحضاره إليه، وأمر كل واحد منهم أن يحمل طَبْلًا، فَإِذَا وَاجَهُوا الْكُوفَةَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ ضرب كل واحد منهم على طبله، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَارْتَجَّتِ الْكُوفَةُ، وَخَافَ عِيسَى بْنُ مُوسَى، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ دَعَوْهُ إِلَى حَضْرَةِ الخليفة فأظهر أنه يشتكي، فلم يقبلوا ذلك منه بل أخذوه معهم فدخلوا به على الخليفة فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ وُجُوهُ بَنِي هَاشِمٍ وَالْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ وَسَأَلُوهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ يَمْتَنِعُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ النَّاسُ بِهِ بِالرَّغْبَةِ والرهبة حتى أجاب في يوم الجمعة (١) لأربع مضين (٢) من المحرم بعد العصر.

وبويع لولدي المهدي موسى وهارون الرشيد صباحة يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم وجلس الْمَهْدِيُّ فِي قُبَّةٍ عَظِيمَةٍ فِي إِيوَانِ الْخِلَافَةِ، ودخل الأمراء فبايعوا ثم نهض

فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ ابْنُهُ مُوسَى الْهَادِي تَحْتَهُ، وَقَامَ عِيسَى بْنُ مُوسَى عَلَى أَوَّلِ دَرَجَةٍ، وخطب المهدي فأعلم الناس بِمَا وَقَعَ مِنْ خَلْعِ عِيسَى بْنِ مُوسَى نَفْسَهُ وَأَنَّهُ قَدْ حَلَّلَ النَّاسَ مِنَ الْأَيْمَانِ الَّتِي لَهُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ إِلَى مُوسَى الْهَادِي.

فَصَدَّقَ عِيسَى بْنُ مُوسَى ذَلِكَ وَبَايَعَ الْمَهْدِيَّ عَلَى ذَلِكَ.

ثُمَّ نَهَضَ النَّاسُ فَبَايَعُوا الْخَلِيفَةَ عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِهِمْ وَأَسْنَانِهِمْ، وَكَتَبَ عَلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى مَكْتُوبًا مُؤَكَّدًا بِالْأَيْمَانِ الْبَالِغَةِ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (٣) ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ جَمَاعَةَ الأمراء والوزراء وأعيان بني هاشم وغيرهم وأعطاه ما ذكرنا من الأموال وغيرها.

وفيها دخل عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شِهَابٍ الْمِسْمَعِيُّ مَدِينَةَ بَارْبَدَ من الهند في جحفل كبير فَحَاصَرُوهَا وَنَصَبُوا عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، وَرَمَوْهَا بِالنِّفْطِ فَأَحْرَقُوا مِنْهَا طَائِفَةً، وَهَلَكَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَفَتَحُوهَا عَنْوَةً وَأَرَادُوا الِانْصِرَافَ فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ لاعتلاء الْبَحْرِ، فَأَقَامُوا هُنَالِكَ فَأَصَابَهُمْ دَاءٌ فِي أَفْوَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ حُمَامُ قُرٍّ فَمَاتَ مِنْهُمْ أَلْفُ نَفْسٍ مِنْهُمُ الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، فَلَمَّا أَمْكَنَهُمُ الْمَسِيرُ رَكِبُوا فِي الْبَحْرِ فَهَاجَتْ عَلَيْهِمْ رِيحٌ فغرق طَائِفَةٌ أَيْضًا، وَوَصَلَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى الْبَصْرَةِ وَمَعَهُمْ سَبْيٌّ كَثِيرٌ، فِيهِمْ بِنْتُ مَلِكِهِمْ.

وَفِيهَا حَكَمَ المهدي بإلحاق ولد أبي بكرة الثقفي إلا وَلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطَعَ نَسَبَهُمْ مِنْ ثَقِيفٍ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا إِلَى وَالِي الْبَصْرَةِ (٤) .

وَقَطَعَ نَسَبَهُ مِنْ زِيَادٍ وَمِنْ نَسَبِ نَافِعٍ فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ وَهُوَ خَالِدٌ النَّجَّارُ: إِنَّ زِيَادًا وَنَافِعًا وَأَبَا * بَكْرَةَ عِنْدِي مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ ذَا قُرَشِيٌّ كَمَا يَقُولُ وَذَا * مَوْلًى وَهَذَا بِزَعْمِهِ عربي وقد ذكر ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ نَائِبَ الْبَصْرَةِ لَمْ يُنَفِّذْ ذلك.


(١) في الطبري ٩ / ٣٣٢: يوم الأربعاء.
(٢) في الطبري ٩ / ٣٣٢ وفي ابن الاثير ٦ / ٤٥: بقين.
(٣) نسخة الكتاب في الطبري ج ٩ / ٣٣٣.
وأشهد عليه أربعمائة وثلاثون من بني هاشم ومن الموالي والصحابة من قريش والوزراء والكتاب والقضاة.
(٤) نسخة الكتاب في تاريخ الطبري ٩ / ٣٣٥.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>