للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قضاة الأطراف والمتحاكمين إليه، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ جَوَادًا كَرِيمًا صُودِرَ هُوَ وَأَهْلُهُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ

استهلت والخليفة الحاكم العباسي والسلطان الملك الظاهر وقضاة مصر أربعة.

وفيها جعل بدمشق أربعة قضاة من كل مذهب قاض كما فعل مصر عام أول، ونائب الشام آقوش النجيبي، وكان قاضي قضاة الشافعية ابن خلكان، والحنفية شَمْسُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَا وَالْحَنَابِلَةِ شَمْسُ الدِّين عَبْدُ الرَّحمن بْنُ الشيخ أبي عمر، والمالكية عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ الزَّوَاوِيِّ، وَقَدِ امْتَنَعَ مِنَ الْوِلَايَةِ فَأُلْزِمَ بِهَا حَتَّى قَبِلَ ثُمَّ عَزَلَ نَفْسَهُ، ثُمَّ أُلْزِمَ بِهَا فَقَبِلَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُبَاشِرَ أَوْقَافًا وَلَا يَأْخُذَ جَامَكِيَّةً عَلَى أحكامه، وَقَالَ: نَحْنُ فِي كِفَايَةٍ فَأُعْفِيَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

وَقَدْ كَانَ هَذَا الصَّنِيعُ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ قَدْ فُعِلَ في العام الأول بمصر كما تقدم، واستقرت الأحوال على هذا المنوال.

وَفِيهَا كَمَلَ عِمَارَةُ الْحَوْضِ الَّذِي شَرْقِيَّ قَنَاةِ باب البريد وعمل له شاذروان وقبة وأنابيب يجري منها الماء إلى جانب الدرج الشمالية.

وفيها نازل الظاهر صفد واستدعى بالمنجانيق مِنْ دِمَشْقَ وَأَحَاطَ بِهَا وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى افْتَتَحَهَا، وَنَزَلَ أَهْلُهَا عَلَى حُكْمِهِ، فَتَسَلَّمَ الْبَلَدَ في يوم الجمعة ثامن عشر شوال (١) ، وقتل المقاتلة وسبى الذرية، وقد افتتحها الملك صلاح الدِّين يوسف بن أيوب في شوال أيضاً في أربع وثمانين وخمسمائة، ثم استعادها الفرنج فانتزعها الظاهر منهم قهراً فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَكَانَ السُّلْطَانُ الظاهر في نفسه منهم شئ كَثِيرٌ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى فَتْحِهَا طَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأَجْلَسَ عَلَى سَرِيرِ مَمْلَكَتِهِ الْأَمِيرَ سَيْفَ الدِّينِ كرمون التتري، وجاءت رسلهم فخلعوه وَانْصَرَفُوا وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهُمُ الْعُهُودَ بِالْأَمَانِ إِنَّمَا هُوَ الْأَمِيرُ الَّذِي أَجْلَسَهُ عَلَى السَّرِيرِ وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَتِ الْإِسْبِتَارِيَّةُ وَالدَّاوِيَّةُ من القلعة وقد فعلوا بالمسلمين الأفاعيل القبيحة، فأمكن الله منهم فأمر السلطان بضرب رقابهم عن آخرهم، وجاءت البريدية إلى البلاد بذلك، فدقت البشائر وزينت البلاد، ثم بث السَّرَايَا يَمِينًا وَشِمَالًا فِي بِلَادِ الْفِرِنْجِ فَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُصُونٍ كَثِيرَةٍ تُقَارِبُ عِشْرِينَ حِصْنًا، وَأَسَرُوا قَرِيبًا مِنْ أَلْفِ أَسِيرٍ مَا بَيْنَ امرأة وصبي، وغنموا شيئاً كثيراً.

وَفِيهَا قَدِمَ وَلَدُ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَعْصِمِ بْنِ الْمُسْتَنْصِرِ من الأسر واسمه علي، فأكرم وأنزل بالدار

الأسدية تجاه الْعَزِيزِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ أَسِيرًا فِي أَيْدِي التَّتَارِ، فَلَمَّا كَسَرَهُمْ بَرَكَةُ خَانَ تَخَلَّصَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وسار إلى دمشق، ولما فتح السلطان صفداً أخبره بعض من كان فيها من أسرى المسلمين أن سبب


(١) في تاريخ أبي الفداء ٤ / ٣ تاسع عشر شعبان، وفي الروض الزاهر: ص ٢٦٠: مستهل ثامن عشر شوال.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>