للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا في دار والده دار العقيلي (١) التي بناها الملك الظاهر بيبرس مدرسة، وجاء أعيان البلد للسلام عليه فرأوا منه غاية الاحسان، وكان نائب القلعة إذ ذاك الطواشي ريحان، فكاتبه وأجزل نواله حتى سلمها إليه، ثم نزل إليه فأكرمه واحترمه، ثم أظهر السلطان أنه أحق الناس بتربية ولد نور الدين، لما لنور الدين عليهم من الاحسان المتين، وذكر أنه خطب لنور الدين بالديار المصرية، ثم إن السلطان عامل الناس بالاحسان وأمر بإبطال ما أحدث بعد نور الدين من المكوس والضرائب، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.

[فصل]

فلما استقرت له دمشق بحذافيرها نهض إلى حلب مسرعا لما فيها من التخبيط والتخليط واستناب على دمشق أخاه طغتكين (٢) بن أيوب الملقب بسيف الاسلام، فلما اجتاز حمص أخذ ربضها ولم يشتغل بقلعتها، ثم سار إلى حماه فتسلمها من صاحبها عز الدين بن جبريل (٣)، وسأله أن يكون سفيره بينه وبين الحلبيين، فأجابه إلى ذلك، فسار إليهم فحذرهم بأس صلاح الدين فلم يلتفتوا إليه، بل أمروا بسجنه واعتقاله، فأبطأ الجواب على السلطان، فكتب إليهم كتابا بليغا يلومهم فيه على ما هم فيه من الاختلاف، وعدم الائتلاف، فردوا عليه أسوأ جواب، فأرسل إليهم يذكرهم أيامه وأيام أبيه وعمه في خدمة نور الدين في المواقف المحمودة التي يشهد لهم بها أهل الدين، ثم سار إلى حلب فنزل على جبل جوشن (٤)، ثم نودي في أهل حلب بالحضور في ميدان باب العراق، فاجتمعوا فأشرف عليهم ابن الملك نور الدين فتودد إليهم وتباكى لديهم وحضرهم على قتال صلاح الدين، وذلك عن إشارة الامراء المقدمين، فأجابه أهل البلد بوجوب طاعته على كل أحد، وشرط عليه الروافض منهم أن يعاد الاذان بحي على خير العمل، وأن يذكر في الأسواق، وأن يكون لهم في الجامع الجانب الشرقي، وأن يذكر أسماء الأئمة الاثني عشر بين يدي الجنائز، وأن يكبروا على الجنازة خمسا، وأن تكون عقود أنكحتهم إلى الشريف أبي طاهر بن أبي المكارم حمزة بن زاهر الحسيني، فأجيبوا إلى ذلك كله، فأذن بالجامع وسائر البلد بحي على خير العمل، وعجز أهل البلد عن مقاومة الناصر، وأعملوا في كيده كل خاطر، فأرسلوا أولا إلى شيبان صاحب الحسبة فأرسل نفرا من


(١) في الكامل والروضتين: العقيقي.
(٢) في الكامل: طغدكين، وفي ابن خلدون: طغركين.
(٣) في الكامل: جورديك، وفي ابن خلدون: خرديك. وفي الروضتين: رحل إلى جهة حماه فلما وصل إلى الرستن - وهي بليدة قديمة على نهر العاصي في منتصف الطريق بين حمص وحماه - خرج صاحبها عز الدين جرديك.
(٤) جبل مطل على حلب في غربيها، كان يحمل منه الناس النحاس الأحمر، وفي سفحه مقابر الشيعة (معجم البلدان).

<<  <  ج: ص:  >  >>