للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِتَالِ عَدُوِّكُمْ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَحَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَابْنَ أَبِي سَرْحٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ لَيْسُوا بِأَصْحَابِ دِينٍ وَلَا قُرْآنٍ، أَنَا أَعْرَفُ بِهِمْ مِنْكُمْ، صَحِبْتُهُمْ أَطْفَالًا، وَصَحِبْتُهُمْ رِجَالًا، فَكَانُوا شَرَّ أَطْفَالٍ وَشَرَّ رِجَالٍ، وَيْحَكُمُ وَاللَّهِ إِنَّهُمْ مَا رَفَعُوهَا إنهم يقرأونها ولا تعلمون بما فيها وما رفعوها إلا خديعة ودهاء ومكيدة.

فَقَالُوا لَهُ: مَا يَسَعُنَا أَنْ نُدْعَى إِلَى كتاب الله فنأبى أن نقبله.

فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي إِنَّمَا أُقَاتِلُهُمْ لِيَدِينُوا بِحُكْمِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ قَدْ عَصَوُا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَتَرَكُوا عَهْدَهُ، وَنَبَذُوا كِتَابَهُ.

فَقَالَ لَهُ مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي ثم السبائي (١) فِي عِصَابَةٍ مَعَهُمَا مِنَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ صَارُوا بَعْدَ ذَلِكَ خَوَارِجَ: يَا عَلِيُّ أَجِبْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ إِذْ دُعِيتَ إِلَيْهِ وَإِلَّا دَفَعْنَاكَ بَرُمَّتِكَ إِلَى الْقَوْمِ أَوْ نَفْعَلُ بِكَ مَا فعلنا بابن عفان، إنه غلبنا أن يعمل بكتاب الله فقتلناه، وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّهَا أَوْ لَنَفْعَلَنَّهَا بِكَ.

قَالَ: فَاحْفَظُوا عَنِّي نَهْيِي إِيَّاكُمْ وَاحْفَظُوا مَقَالَتَكُمْ لِي، أَمَّا أَنَا فَإِنْ تُطِيعُونِي فَقَاتِلُوا، وَإِنْ تَعْصُونِي فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ، قَالُوا: فَابْعَثْ إِلَى الْأَشْتَرِ فَلْيَأْتِكَ وَيَكُفَّ عَنِ الْقِتَالِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ لِيَكُفَّ عَنِ الْقِتَالِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي

كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْخَوَارِجِ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّينَ وَعَنْ ناس من رؤوس الْخَوَارِجِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى كَذِبٍ أنَّ عمَّار بْنَ يَاسِرٍ كَرِهَ ذَلِكَ وَأَبَى وَقَالَ فِي عَلِيٍّ بَعْضَ مَا أَكْرَهُ ذِكْرَهُ، ثُمَّ قال: مَنْ رَائِحٌ إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَبْتَغِيَ غَيْرَ اللَّهِ حَكَمًا؟ فَحَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رحمه الله عليه.

وكان ممن دعا إلى ذلك سَادَاتِ الشَّامِيِّينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَامَ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْمُوَادَعَةِ وَالْكَفِّ وَتَرْكِ الْقِتَالَ وَالِائْتِمَارِ بِمَا فِي القرآن، وذلك عن أمر معاوية له بذلك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ مِمَّنْ أَشَارَ عَلَى عَلِيٍّ بِالْقَبُولِ وَالدُّخُولِ فِي ذَلِكَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَرَوَى أَبُو مِخْنَفٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا بعث إلى الأشتر قال: قل له إنه ليس هذه ساعة ينبغي أن لا تُزِيلَنِي عَنْ مَوْقِفِي فِيهَا، إِنِّي قَدْ رَجَوْتُ أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ، فَلَا تُعْجِلْنِي، فَرَجَعَ الرَّسُولُ - وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ هَانِئٍ - إِلَى عَلِيٍّ فأخبره عن الأشتر بما قال، وَصَمَّمَ الْأَشْتَرُ عَلَى الْقِتَالِ لِيَنْتَهِزَ الْفُرْصَةَ، فَارْتَفَعَ الْهَرْجُ وَعَلَتِ الْأَصْوَاتُ فَقَالَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ لِعَلِيٍّ: وَاللَّهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا أَمَرْتَهُ أَنْ يُقَاتِلَ، فقال: أرأيتموني ساررته؟ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْهِ جَهْرَةً وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ؟ فَقَالُوا: فَابْعَثْ إِلَيْهِ فَلْيَأْتِكَ وَإِلَّا وَاللَّهِ اعْتَزَلْنَاكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِيَزِيدَ بْنِ هَانِئٍ: وَيْحَكَ! قُلْ لَهُ أَقْبِلْ إِلَيَّ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ وَقَعَتْ، فَلَمَّا رجع إليه يزيد بن هانئ فأبلغه عن أمير المؤمنين أنه ينصرف عن القتال ويقبل إليه، جعل يتململ ويقول: ويحك ألا ترى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ النَّصْرِ وَلَمْ يَبْقَ إلا القليل؟ فقلت: أيُّهما أحبُّ إليك أن تقبل أَوْ يَقْتَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ؟ ثم ماذا يغني عَنْكَ نَصْرَتُكُ هَاهُنَا؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ الْأَشْتَرُ إِلَى علي وترك القتال فقال: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ! يَا أَهْلَ الذُّلِّ وَالْوَهْنِ أحين علوتم القوم وَظَنُّوا أَنَّكُمْ لَهُمْ قَاهِرُونَ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ يَدْعُونَكُمْ إِلَى مَا فِيهَا، وَقَدْ وَاللَّهِ تَرَكُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ به فيها، وسنة من أنزلت عليه، فَلَا تُجِيبُوهُمْ، أَمْهِلُونِي فَإِنِّي قَدْ أَحْسَسْتُ بِالْفَتْحِ،


(١) في الطبري: السنبسي.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>