وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْدَلِ الْقُضَاةِ وَأَقْوَمِهِمْ بِالْحَقِّ، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَكَانَ ابْنُهُ عِمَادُ الدِّينِ يَخْطُبُ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَوَلِيَ مَشْيَخَةَ الْأَشْرَفِيَّةِ يَنُوبُ عَنْهُ، وَكَانَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ يَجْلِسُ للحكم بمدرسته المجاهدية، وأرسل إليه السلطان طراحة ومسندة لِأَجْلِ أَنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَكَانَ ابْنُهُ يَجْلِسُ بين يديه، فإذا قام أبوه جلس في مَكَانَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ عَزَلَ ابْنَهُ عَنْ نِيَابَتِهِ لشئ بَلَغَهُ عَنْهُ، وَاسْتَنَابَ شَمْسَ الدِّينِ بْنَ الشِّيرَازِيِّ، وَكَانَ يَجْلِسُ تُجَاهَهُ فِي شَرْقِيِّ الْإِيوَانِ، وَاسْتَنَابَ معه شمس الدين ابن سنا الدولة، واستناب شرف الدين ابن الْمَوْصِلِيِّ الْحَنَفِيَّ، فَكَانَ يَجْلِسُ فِي مِحْرَابِ الْمَدْرَسَةِ، واستمر حاكماً سنتين
وأربعة أشهر، ثم مات يوم السبت رابع [ذي] الحجة وله من العمر خَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ ثُمَّ دُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ.
الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ محمد بن أبي القاسم الهكاري باني المدرسة التي بالقدس، كان من خيار الأمراء، وكان يَتَمَنَّى الشَّهَادَةَ دَائِمًا فَقَتَلَهُ الْفِرِنْجُ بِحِصْنِ الطُّورِ، ودفن بالقدس بتربة عاملها وهو يزار إِلَى الْآنَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الشُّجَاعُ مَحْمُودٌ الْمَعْرُوفُ بابن الدماغ كَانَ مِنْ أَصْدِقَاءِ الْعَادِلِ يُضْحِكُهُ، فَحَصَّلَ أَمْوَالًا جزيلة منهم، كانت داره داخل باب الفرنج فَجَعَلَتْهَا زَوْجَتُهُ عَائِشَةُ مَدْرَسَةً لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَوَقَفَتْ عليها أوقافاً دارَّة.
الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ الْعَابِدَةُ الزَّاهِدَةُ شَيْخَةُ الْعَالِمَاتِ بِدِمَشْقَ، تلقب بدهن اللوز، بنت نورنجان، وَهِيَ آخِرُ بَنَاتِهِ وَفَاةً وَجَعَلَتْ أَمْوَالَهَا وَقْفًا على تربة أختها بنت العصبة الْمَشْهُورَةِ.