للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَسْمَعَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَانَ لَهُ خَطٌّ حَسَنٌ، وخلق حسن، وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أَهْلِ؟ الْعِلْمِ، سَمِعْتُ الْعَلَّامَةَ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَقُولُ: نَقْلُ الْبِرْزَالِيِّ نَقْرٌ فِي حَجَرٍ.

وَكَانَ أَصْحَابُهُ مِنْ كُلِّ الطَّوَائِفِ يُحِبُّونَهُ وَيُكْرِمُونَهُ، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ مَاتُوا قَبْلَهُ، وَكَتَبَتِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ الْبُخَارِيَّ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مُجَلَّدًا فَقَابَلَهُ لَهَا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهِ عَلَى الْحَافِظِ الْمِزِّيِّ تَحْتَ الْقُبَّةِ، حَتَّى صَارَتْ نُسْخَتُهَا أَصْلًا مُعْتَمَدًا يَكْتُبُ مِنْهَا النَّاسُ، وَكَانَ شَيْخَ حَدِيثٍ بِالنُّورِيَّةِ وَفِيهَا وَقَفَ كتبه بدار الحديث السنية، وبدار؟ الحديث القوصية وفي الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى كَرَاسِيِّ الْحَدِيثِ، وَكَانَ مُتَوَاضِعًا مُحَبَّبًا إِلَى النَّاسِ، مُتَوَدِّدًا إِلَيْهِمْ، تُوُفِّيَ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً رَحِمَهُ اللَّهُ.

الْمُؤَرِّخُ شَمْسُ الدين محمد بن إبراهيم الجوزي، جَمَعَ تَارِيخًا حَافِلًا، كَتَبَ فِيهِ أَشْيَاءَ يَسْتَفِيدُ مِنْهَا الْحَافِظُ كَالْمِزِّيِّ وَالذَّهَبِيِّ وَالْبِرْزَالِيِّ يَكْتُبُونَ عَنْهُ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى نَقْلِهِ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ، وَثَقُلَ سَمْعُهُ؟ وَضَعُفَ خَطُّهُ، وَهُوَ وَالِدُ الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَأَخُوهُ مَجْدُ الدِّينِ.

ثم دخلت سنة أربعين وَسَبْعِمِائَةٍ اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ، وَوُلَاتُهُ وَقُضَاتُهُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا إِلَّا الشَّافِعِيَّ بِالشَّامِ فَتُوُفِّيَ الْقَزْوِينِيُّ وَتَوَلَّى الْعَلَّامَةُ السبكي.

ومما وقع من الحوادث العظمية الهائلة إن جماعة من رؤس النَّصَارَى اجْتَمَعُوا فِي كَنِيسَتِهِمْ وَجَمَعُوا مِنْ بَيْنِهِمْ مَالًا جَزِيلًا فَدَفَعُوهُ إِلَى رَاهِبَيْنِ قَدِمَا عَلَيْهَا مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، يُحْسِنَانِ صَنْعَةَ النِّفْطِ، اسْمُ أحدهما ملاني الآخر عازر فعملا كحطاً مِنْ نِفْطٍ، وَتَلَطَّفَا حَتَّى عَمِلَاهُ لَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَضَعَا فِي شُقُوقِ دَكَاكِينِ التُّجَّارِ فِي سُوقِ الرِّجَالِ عِنْدَ الدَّهْشَةِ فِي عِدَّةِ دَكَاكِينٍ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ أَحَدٌ بِهِمَا، وَهُمَا فِي زِيِّ الْمُسْلِمِينَ، فلمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيل لَمْ يَشْعُرِ النَّاسُ إِلَّا وَالنَّارُ قَدْ عَمِلَتْ فِي تِلْكَ الدَّكَاكِينِ حَتَّى تعلقت في درابزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور،

وأحرقت الدَّرَابْزِينَاتُ، وَجَاءَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ تَنْكِزُ وَالْأُمَرَاءُ أُمَرَاءُ الألوف، وصعدوا المنارة وهي تشعل ناراً، واحترسوا عن الجامع فلم ينله شئ من الحريق ولله الحمد والمنة، وأما المأذنة فإنها تفجرت أحجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم وَأُعِيدَ بِنَاؤُهَا بِحِجَارَةٍ جُدُدٍ، وَهِيَ الْمَنَارَةُ الشَّرْقِيَّةُ الَّتِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهَا عيسى ابن مَرْيَمَ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْبَلَدُ مُحَاصَرٌ بِالدَّجَّالِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّصَارَى بَعْدَ لَيَالٍ عَمَدُوا إِلَى نَاحِيَةِ الجامع من المغرب إلى الْقَيْسَارِيَّةُ بِكَمَالِهَا، وَبِمَا فِيهَا مِنَ الْأَقْوَاسِ وَالْعُدَدِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَتَطَايَرَ شَرَرُ النَّارِ إِلَى مَا حَوْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>