للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ سَلْطَنَةِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ رُكْنِ الدِّينِ بَيْبَرْسَ الجاشنكير بشيخ (١) المنبجي عدو ابن تيمية لما استقر الملك ناصر بِالْكَرَكِ وَعَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِهَا كَتَبَ كِتَابًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ نَفْسِهِ عَنِ الْمَمْلَكَةِ (٢) ، فَأُثْبِتَ ذَلِكَ عَلَى الْقُضَاةِ بِمِصْرَ، ثُمَّ نُفِّذَ عَلَى قُضَاةِ الشَّامِ وَبُويِعَ الْأَمِيرُ رُكْنُ الدين بيبرس الجاشنكير في السلطنة فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ يَوْمَ السَّبْتِ بَعْدَ الْعَصْرِ، بِدَارِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ سَلَّارَ، اجْتَمَعَ بِهَا أَعْيَانُ الدَّوْلَةِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ وبايعوه وخاطبوه بالملك

المظفر، وركب إِلَى الْقَلْعَةِ وَمَشَوْا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ بِالْقَلْعَةِ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ وَسَارَتِ الْبَرِيدِيَّةُ بِذَلِكَ إِلَى سَائِرِ الْبُلْدَانِ.

وَفِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْقَعْدَةِ وَصَلَ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ الْبَغْدَادِيُّ إِلَى دِمَشْقَ فَاجْتَمَعَ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ وَالْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ النَّاصِرِ إِلَى أهل مِصْرَ، وَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَنِ الْمُلْكِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَأَثْبَتَهُ الْقُضَاةُ وَامْتَنَعَ الْحَنْبَلِيُّ مِنْ إِثْبَاتِهِ وَقَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ يَتْرُكُ الْمُلْكَ مُخْتَارًا، وَلَوْلَا أَنَّهُ مُضْطَهَدٌ مَا تَرَكَهُ، فَعُزِلَ وَأُقِيمَ غَيْرُهُ، واستحلفهم لِلسُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ، وَكُتِبَتِ الْعَلَامَةُ عَلَى الْقَلْعَةِ، وألقابه على محال المملكة، ودقت البشائر وزينت البلد، ولما قرئ كتاب الملك الناصر عَلَى الْأُمَرَاءِ بِالْقَصْرِ، وَفِيهِ: إِنِّي قَدْ صَحِبْتُ النَّاسَ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ اخْتَرْتُ الْمُقَامَ بِالْكَرَكِ، تباكى جماعة من الأمراء وبايعوا كالمكرهين، وتولى مكان الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الأمير سيف الدين بن علي، ومكان ترعكي سيف الدين بنخاص، ومكان بنخاص الأمير جمال الدين آقوش الذي كان نَائِبُ الْكَرَكِ، وَخُطِبَ لِلْمُظَفَّرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمَنَابِرِ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا، وَحَضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَفْرَمُ والقضاة، وجاءت الخلع وتقليد نائب السلطنة فِي تَاسِعَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ، وَقَرَأَ تَقْلِيدَ النَّائِبِ كَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ فَضْلِ اللَّهِ بِالْقَصْرِ بِحَضْرَةِ الْأُمَرَاءِ، وَعَلَيْهِمُ الْخِلَعُ كلهم.

وركب المظفر بالخلعة السوداء الخليفية، وَالْعِمَامَةِ الْمُدَوَّرَةِ وَالدَّوْلَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمُ الْخِلَعُ يَوْمَ السَّبْتِ سَابِعِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَالصَّاحِبُ ضِيَاءُ الدين النساي حَامِلٌ تَقْلِيدَ السُّلْطَانِ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ فِي كِيسٍ أَطْلَسَ أَسْوَدَ، وَأَوَّلُهُ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، وَيُقَالُ إِنَّهُ خَلَعَ فِي الْقَاهِرَةِ قَرِيبَ أَلْفِ خلعة


(١) كذا بالاصل.
في هامش المطبوعة: ولعلها " بسعي " أو نحوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>