للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والامراء والدولة يدعوهم إلى الله وإلى الدخول إلى دين الاسلام ليثبت ملكهم عليهم، وإلا فليدفعوا الجزية وإلا فليعلموا وليستعدوا لقدومه عليهم بقوم يحبون الموت كما يحبون هم الحياة (١)، فجعلوا يعجبون من جرأة خالد وشجاعته، ويسخرون من ذلك لحماقتهم ورعونتهم في أنفسهم، وقد أقام خالد هنالك بعد صلح الحيرة سنة يتردد في بلاد فارس هاهنا وهاهنا، ويوقع بأهلها من البأس الشديد، والسطوة الباهرة، ما يبهر الابصار لمن شاهد ذلك ويشنف أسماع من بلغه ذلك ويحير العقول لمن تدبره.

فتح خالد للأنبار (٢)، وتسمى هذه الغزوات ذات العيون

ركب خالد في جيوشه فسار حتى انتهى إلى الأنبار وعليها رجل من أعقل الفرس وأسودهم في أنفسهم، يقال له شيرزاذ، فأحاط بها خالد وعليها خندق وحوله أعراب من قومهم على دينهم، واجتمع معهم أهل أرضهم، فمانعوا خالدا أن يصل إلى الخندق فضرب معهم رأسا، ولما تواجه الفريقان أمر خالد أصحابه فرشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين، فتصايح الناس، ذهبت عيون أهل الأنبار، وسميت هذه الغزوة ذات العيون، فراسل شيرزاذ جلدا في الصلح، فاشترط خالد أمورا فامتنع شيرزاذ من قبولها، فتقدم خالد إلى الخندق فاستدعى برذايا الأموال من الإبل فذبحها حتى ردم الخندق بها وجاز هو وأصحابه فوقها، فلما رأى شيرزاذ ذلك أجاب إلى الصلح على الشروط التي اشترطها خالد، وسأله أن يرده إلى مأمنه فوفى له بذلك، وخرج شيرزاذ من الأنبار وتسلمها خالد، فنزلها واطمأن بها، وتعلم الصحابة ممن بها من العرب الكتابة العربية، وكان أولئك العرب قد تعلموها من عرب قبلهم وهم بنو إياد، كانوا بها من زمان بختنصر حين أباح العراق للعرب، وأنشدوا خالدا قول بعض إياد يمتدح قومه:

قومي إياد لو أنهم أمم … أولو أقاموا فتهزل النعم

قوم لهم باحة العراق إذا … ساروا جميعا واللوح والقلم (٣)

ثم صالح خالد أهل البوازيج وكلواذى، قال: ثم نقض أهل الأنبار ومن حولهم عهدهم لما


(١) نقل الطبري كتابي خالد إلى ملوك فارس وأمرائهم وفيها: بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس أما بعد فالحمد لله الذي حل نظامكم ووهن كيدكم وفرق كلمتكم ولو لم يفعل ذلك بكم كان شرا لكم فأدخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة.
وكتب إلى المرازية: بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس أما بعد فأسلموا تسلموا وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر (٤/ ١٨).
(٢) سميت الأنبار لان أهراء الطعام كانت بها أنابير. قال البلاذري في فتوح البلدان ٢/ ٣٠١ سميت بالأنبار لان أهراء العجم كانت بها.
(٣) في الطبري: واللوح والقلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>