للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت كاهنة في الجاهلية جاءها صاحبها ليلة من الليالي فانقض تحتها، ثم قال: أدر ما أدر، يوم عقر ونحر، قلت قريش حين بلغها ذلك ما يريد؟ ثم جاءها ليلة أخرى فانقض تحتها ثم قال: شعوب ما شعوب؟ تصرع فيه كعب (١) الجنوب. فلما بلغ ذلك قريشا قالوا ما ذا يريد؟ إن هذا لأمر هو كائن فانظروا ما هو، فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب، فعرفوا أنه كان الذي جاء به إلى صاحبته.

قال ابن إسحاق: وحدثني علي بن نافع الجرشي أن جنبا (٢) - بطنا من اليمن - كان لهم كاهن في الجاهلية، فلما ذكر أمر رسول الله وانتشر في العرب، قالت له جنب: انظر لنا في أمر هذا الرجل واجتمعوا له في أسفل جبله. فنزل إليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس له، فرفع رأسه إلى السماء طويلا، ثم جعل ينزو، ثم قال: أيها الناس إن الله أكرم محمدا واصطفاه، وطهر قلبه وحشاه ومكثه فيكم أيها الناس قليل. ثم اشتد في جبله راجعا من حيث جاء، ثم ذكر ابن إسحاق قصة سواد بن قارب وقد أخرناها إلى هواتف الجان.

[فصل]

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: إن مما دعانا إلى الاسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا - أن كنا نسمع من رجل من يهود (٣) - وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا، وكانت لا يزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرا ماس نسمع ذلك منهم. فلما بعث الله رسول الله أجبناه حين دعانا إلى الله، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به. فبادرناهم إليه، فآمنا به وكفروا به. ففينا وفيهم نزلت هذه الآية: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين).

وقال ورقاء: عن ابن أبي نجيح عن علي الأزدي: كانت اليهود تقول اللهم ابعث لنا هذا


(١) المراد هنا كعب بن لؤي، وسياق الحديث الآتي يؤيد ذلك خاصة أن معظم الذين صرعوا في بدر وأحد من أشراف قريش من كعب بن لؤي.
(٢) جنب: هم بطن من بني يزيد بن حرب بن علة بن جلد بن مالك بن أدد وهو مذحج وهم: بنو منبه والحارث والغلى وسبحان وشمره وهفان. وفي جمهرة الأنساب: والقاموس ومعجم البلدان سنحان بدل سبحان وشمران بدل شمر.
سموا جنب أو جناب لأنهم تحالفوا على بني عمهم صداء أو صدا كما في نهاية الإرب وهم من اتباع الكافر الصليحي - لعله كاهنهم - القائم بنواحي زبيد.
(٣) عبارة ابن هشام: لما كنا نسمع من رجال يهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>