وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، قال فأغضبوه في شئ فقال: اجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال: أوقدوا نارا فأوقدوا ثم قال: ألم يأمركم رسول الله ﷺ أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها قال: فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله ﷺ من النار، قال فسكن غضبه وطفئت النار، فلما قدموا على النبي ﷺ ذكروا ذلك له فقال " لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف " وهذه القصة ثابتة أيضا في الصحيحين من طريق يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقد تكلمنا على هذه بما فيه كفاية في التفسير ولله الحمد والمنة.
﷽
[عمرة القضاء]
ويقال القصاص. ورجحه السهيلي ويقال: عمرة القضية، فالأولى قضاء عما كان أحصر عام الحديبية والثاني من قوله تعالى (والحرمات قصاص) والثالث من المقاضاة التي كان قاضاهم عليها على أن يرجع عنهم عامه هذا ثم يأتي في العام القابل، ولا يدخل مكة إلا في جلبان (١) السلاح وأن لا يقيم أكثر من ثلاثة أيام وهذه العمرة هي المذكورة في قوله تعالى في سورة الفتح المباركة (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) الآية. وقد تكلمنا عليها مستقصى في كتابنا التفسير بما فيه الكفاية وهي الموعود بها في قوله ﵊ لعمر بن الخطاب حين قال له: ألم تكن تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال " بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ " قال: لا، قال:" فإنك آتيه ومطوف به " وهي المشار إليها في قول عبد الله بن رواحة حين دخل بين يدي رسول الله ﷺ إلى مكة يوم عمرة القضاء وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله … اليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله
أي هذا تأويل الرؤيا التي كان رآها رسول الله ﷺ جاءت مثل فلق الصبح.
قال ابن إسحاق: فلما رجع رسول الله ﷺ من خيبر إلى المدينة أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالا يبعث فيما بين ذلك سراياه ثم خرج من ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها. قال ابن
(١) جلبان: شبه الجراب من الجلد يوضع فيه السيف، وقيل القوس.